29 mai 2008

سيدي عمر اسحاق يتنبّأ بقدوم الطاعون إلى حمام الأغزاز: مزار بن حسن

في أواخر القرن الثاني عشر الهجري ( أواخر القرن الثامن عشر الميلادي) أراد القاضي والعدل احمد بن عمار أن يعلّمَ أبناء حمام الاغزاز فاستقدم لهم مؤدبا من قليبية يدعى الحاج فرج محفوظ ، وكان هذا الرجل "فرَادي" أي أعورَ، فعندما قدم رآه سيدي عمر اسحاق ورأى التشوّهَ الواضح على وجهه فتشاءم منه وقال للقاضي احمد بن عمار: "هذا باش يِخلي البلاد" ، وتقول الأسطورة بعد ذلك إنه لم يكد يمر وقت طويل حتى جاء الطاعون إلى حمام الأغزاز فأهلك خلقا كثيرا (منهم أبناء القاضي ابن عمار) وفي النساء أكثر منه في الرجال ، أي أنّ الكلام الذي قاله سيدي عمر يحمل بين طياته سرا لا يعرف احد حقيقته، وهو الربط بين خلو الوجه من احدى العينين وبين خلوّ البلد من الناس بسبب الوباء، أو هو العلاقة بين التشوه الخَلقي في وجه المؤدب الأجنبي الوافد إلى القرية وبين الوباء الذي سيضربها بعد قدومه، فكلاهما بشع يوحي بالخلاء والإقفار، وكلاهما أيضا وافد وطارئ وغريب عن البلدة ليس منها، وكلاهما جلب الوبال إليها في النهاية. إنّ الأمر لا يخلو من مفارقة كبرى هنا، فهذا الشخص القادم (من قليبية) كان يُفترض منه أن يجلب معه أنوار العلم والمعرفة إلى الأهالي ويقضيَ على الجهل، فإذا به يجلب معه ظلمات الشؤم المتمثل أساسا في الموت والهلاك الذي قضى على كل شيء، وأتى على الأخضر واليابس. إنّ نسمات العلم والمعرفة التي هبّت على حمام الأغزاز في ذلك الوقت لم تكن صافيةً نقية بريئة، بل كانت ممتزجة برائحة الموت، تشوبها شوائب النهاية الوشيكة وتحمل معها علامات الويل والدمار.