12 déc. 2009

ملحق لمقال: حمام الأغزاز

ملحق لمقال: حمام الأغزاز

الأستاذ: مصطفى بن عمران بلحاج علي

كنت قد قدمت لمحة متواضعة في العدد الأول من مجلة "حولية الإبداع" الصادرة في سنة 2003 حول مدينة حمام الأغزاز. وكانت المواضيع التي تناولتها بالدراسة تتمثل في الموقع والتسمية وأصل السكان وتأسيس المدينة وشجرة أنساب أغزاز حمام الأغزاز. وها إني أتناول مواضيع أخرى علّي أفيد القارئ الكريم أكثر محاولا توضيح ما يبدو أنه غامض لدى بعض القراء:

1. هناك أخبار كثيرة يروجها أبناء حمام الأغزاز مفادها أن لمحمد الطرابلسي الغُزّي مؤسس البلدة أخا اسمه سالم، وأن هذا الأخ دخل معه إلى تونس، وربما استقرّ بجهة القيروان. ويتعللون بوجود لقب الغزي بتلك الجهات. والصحيح أنّ لقب الغزي موجود منذ بداية العهد الموحدي في شمال افريقيا، أي منذ القرن الثاني عشر الميلادي كما ذكرت في الدراسة السابقة بالعدد الأول. وحسب الوثائق الموجودة لدينا والمتمثلة في مضمون تملك بتاريخ 1166 هـ ، فإن "سالما" المذكور هو ابن محمد الطرابلسي الغزي، وهو جدّ المغايزة، وهي كلمة محرفة عن البغايزة. ونطلب من السادة القراء أن يتقدموا بما يثبت خلاف ذلك، ونحن مستعدون لإصلاح الخطإ إن كان هناك خطأ.

2. وحسب وثيقة التملك المذكورة فإن لمحمد الطرابلسي الغزي ابنيْن فقط هما سالم ومحمد وليس أربعة كما يعتقد البعض. كما أنه من خلال شهادة وفاة جماعية، نتيجة وباء سنة 1199 هـ ، يتضح أن لعلي بن عبد الدايم بن محمد بن محمد الطرابلسي الغزي ابن اسمه أحمد. هذا الابن متزوج من امرأة تسمى "رابعية" بنت أحمد بن عبيد (من أصل غير غزي) وأبناؤها يُعرفون بالروابعية، ومن هنا جاءت كلمة "هنشير الروابعية"، لأن رابعية هي وحدها من نجا من الوباء المذكور، فكان نصيبها من الإرث كبيرا، مما جعلها ثرية وتملك جزءا كبيرا من هنشير الحمام.

الحياة الثقافية بالبلدة:

كانت الحياة الثقافية في البداية، ككل البلدان الإسلامية، تعتمد على تحفيظ القرآن الكريم في الكتاتيب. ويقوم بذلك مؤدبون جلبوا من خارج البلدة، أمثال الحاج سليمان محفوظ (من قليبية) والمؤدب أحمد بن سليمان من كفشامي. وهناك مؤدبون من أصيلي البلدة أمثال الحاج محمد المؤدب والشيخ امحمد بن حورية. وتمكن البعض من إرسال أبنائهم لإتمام دراستهم بجامع الزيتونة بالعاصمة، فتخرج العدد الكبير من محصلي العلم أمثال: القاضي أحمد بن عمار الغزي مؤسس الجامع القديم بالبلدة ومقبرة حمام الأغزاز، لأن الأهالي كانوا يدفنون موتاهم بقليبية في مقبرة سيدي علي النوالي. وقد شغل الشيخ أحمد بن عمار القضاء بقليبية سنة 1233هـ، وكان إماما خطيبا بالمسجد القديم. كما شغل شاهد عدل من سنة 1181هـ إلى سنة 1244هـ وعاش أكثر من تسعين عاما.

ومن محصلي العلم المتخرجين من جامع الزيتونة الشيوخ: علي بلحاج رحومة ومَحمد بن حورية ومُحمد بلحاج علي وسليم بن حمودة ومصطفى بلحاج رحومة وغيرهم كثيرون يصعب حصرُهم.

وفي سنة 1930 قررت فرنسا بناء مدرسة ابتدائية في كل من حمام الأغزاز والهوارية فكان لها ذلك في الهوارية، أما أبناء حمام الأغزاز فرفضوها متعللين بأنها وسيلة للفرنسة حيث عن طريقها ستنتشر اللغة الفرنسية والديانة المسيحية، وسيقع الاهتمام بالتاريخ والجغرافيا وتُنتزع الهوية العربية الاسلامية من أبناء البلدة. وتأجّل بناء المدرسة إلى سنة 1952. وكبقية المدن التونسية بُني فيها معهد ثانوي وانتشرت فيها الثقافة العربية والفرنسية والانقليزية وتنوعت الشهادات العلمية بتنوع الاختصاصات. ولا نرى اليوم في حمام الأغزاز أميين إلا نادرا والحمد لله.