12 juil. 2013

إطلالة على ديوان "قلب نباتيّ ساذج" للشاعر التونسي مجدي بن عيسى

إطلالة على ديوان "قلب نباتيّ ساذج" للشاعر التونسي مجدي بن عيسى

محمد نجيب هاني

كل الحياة تبتدئ بالشعر و تجعل من العذوبة و الأماني شركا يسقط فيه المقتربون من الضوء .. كما كانت الاحلام اداة الشاعر لتشكيل الواقع و تجاوز مرارة العصر و المصر في عالم اجمل بينلا احضان القصيدة.. ربما من هذا المشهد جاء الشعراء و من العسر المتجذر في الإنسان جاء ربما الجنون .. وفي هذا المنحى كانت مقولة الشاعر محمد علي شمس الدين في " كتاب الطواف " لنعترف أن للجنون جاذبية .. كثيرا ما غرف منها الإبداع .." وبين الابداع والجنون حكاية قديمة قدم الانسان و قدم روح الابداع والخلق والتشكيل في هذا الكائن.. بين الابداع والجنون حكاية أو بالاحرى صورة يرسمها كل مبدع بطريقته و رؤيته .. اليوم اختار لنا الصديق الشاعر التونسي مجدي بن عيسى ان يرسم لنا رؤاه الخاصة انطلاقا من هذه العلاقة فتجاوز الموجود و تحدى الواقع وارتفع عن الأمكنة و تصدى لسرعة الازمنة في ديوان جديد له صدر مؤخرا اختار له "قلبي نباتي ساذج".

الاثر الشعري صدر في طبعة أنيقة من الحجم المتوسط عن دار زينب للنشر و قد ضمّ بين دفتيه حوالي تسع وسبعين صفحة احتوت على واحد و ثلاثين نصا شعريا بوّبها او بالاحرى صنّفها صاحبها تحت خمسة عناوين وهي بالترتيب "ارواح مانوسة عن الموت والفقد والحنين " - التباسات - الوصايا -ليليات "تقاسيم على مقام الظلمة " -
المرايا "حواريات ".

من قراءة اولى تجد ان هذا الديوان حضرت فيه اشكال جديدة من الحداثة الشعرية على مستوى المبنى و المعنى .. اقترنت فيه المتناقضات الفرح و الوجع .. الالم و الامل .. الظلمة و النور .. التشاؤم و التفاؤل ..
يقول مجدي بن عيسى في ص28:
"أكوّر الدقائق الصغيرة الملساء 
أكوّر السماء 
و العب مع الزمان لعبة الخفاء 
أنا أصابع الوقت التي تشدني الى نهايتي ...
أنا العراء 
أنا الزمان خالصا 
من لحظة التكوين حتى أخر تلويحة لعشبة 
ترفّ في الهواء "..

في منحى اخر حضرت في مجموعة القصائد المرأة كما حضر الوطن كما حضر ايضا التاريخ .. عناصر بحث عنها الشاعر بكل ما فيه من حزن و بكل ما رسمت ريشته من الم تجاه هذه العناصر الثلاثة التي شكلت وجع عصره و مصره .يقول الشاعر ( ص22):
"ترى ماذا تفعل الأيام بالناس 
تمد لهم من الامال أسبابا
و تعنتهم 
ترى الأشجار واقفة ..
ترى العشب الذي ينمو 
ترى الزهر قصير العمر لا يشكو و لا يأسى 
و قلبك بعد محزون 
تقلّبه على جمر الأسى الأيام و الذكرى .."

تعتري الشاعر حالة الزهد من فراغ المعنى ليعود لتقييم قيمة الوقت 
حين يكرر سأمه من مسألة الإمساك بالزمن الذي ما يفتأ يفر منا برضا أو دونه " انّ النهار الذي يطلع الان خلف الهضاب ..سيدفع أعمارنا أبدا في طريق الممات .."
وبالنهاية يعود الشاعر لذاته مواسيا اياها بفتح ابواب جديدة يستشرف من خلالها الخير ..
أن تجربة مجدي بن عيسى الشعرية في هذا الديوان تفتح إمكانية التأمل للجمالية الشعرية و دورها في تأصيل جوهر الشعر باعتبار القصيدة وجودا للغة فهو يعيد تشكيل الظهور الأساسي للحياة لتظهر القصيدة في نهاية الأمر كأنها قراءة تأويلية للوجود إذ إن القصيدة لا تحاكي الوجود بل تتمثله على نحو نرى فيه الشاعر يجازف بما في داخله بمقولات الكون و الصور الحياتية..
بين المبنى و المعنى كان صوت مجدي بن عيسى خارجا عن المالوف ما يجعله نقطة مضيئة في المدونة الشعرية التونسية تستحق اكثر للاشتغال النقدي ..