29 mai 2016

الرّسّام رؤوف قارة: رحلة النّورس و"البوسيدونيا"

الرّسّام رؤوف قارة
رحلة النّورس و"البوسيدونيا"





يقول الشّاعر عبد الباسط بن حسن، وهو شاعرٌ قبل أن يكونَ رئيسًا للمعهد العربيّ لحقوق الإنسان، يقول في قصيدته "احتباس" المنشورة ضمن ديوانِه: "تجري في عيون أوقاتِنا"[1]:

"سنسبح اليومَ في هذا البحرِ الخريفيّ،
قال رؤوف قارة
وهو يُلوّح لي بـ "مايوه" عجيب
يَسَعُ كلَّ البحار".

ثمّ يكتب الشّاعرُ ملاحظةً في هامش الصّفحة للتّعريف برؤوف قارة قائلا: "هو رسّامُ حالات البحر في تونس". وهو أوجَزُ تعريفٍ قرأتُه لرؤوف. ولستُ أدري هل سيفرح رؤوف بهذا الإيجازِ في التّعريف إن قرأه؟ أم سيسخط عليه ويعتبرُه مُخِلاًّ؟ إذ هل يُعقَلُ أنْ تُختصَرَ تجربتُه الفنّيّةُ الكبيرةُ وتُقيَّدَ بكلمتيْن أو ثلاثٍ؟

ومهما يكنْ من أمرٍ فإنّ جولاتِ رؤوف وسباحاتِه في شواطئ قليبية وحمّام الأغزاز كثيرةٌ لا تُحصَى، وهي ليست خريفيّةً فقط كما يمكن أن نفهمَها من القصيدة، بل هي مستمرّة كالحياة، خريفيّةٌ وشتويّةٌ وربيعيّةٌ وصيفيّةٌ... ولعلّها تتمُّ أيضا في فصولٍ أخرى لا نعرفها، وفي حالات بحريّة ليس يقدِرُ على فهمِها سوى رؤوف، رسّام حالاتِ البحر في تونس، وصاحب "المايوه" الذي يَسعُ كلَّ بحار العالم.

قد يكونُ اختيارُ الشّاعِر لزمنِ الخريف اختيارًا اعتباطيًّا. ولكنَّ جولة رؤوف مع الشّاعر هنا كانت حتمًا ذاتَ خريفٍ. يزيدُ من تحقيق ذلك وتأكيدِه وُجودُ قرينتيْن في نصّ القصيدة دالّتيْنِ عليه، مانِعتَيْن مِن إرادةِ أيِّ فصلٍ آخرَ، إذ يُواصل عبد الباسط قائلاً:

"على شاطئ حمّام الأغزاز
أعشابٌ بحريَّةٌ مُرهَقَةٌ
صيّادونَ يَختبِرونَ لُغاتِ الصّبر
ورِمالٌ تنتَظِرُ مثلَ كلِّ يومٍ وداعَ القواربِ".

القرينةُ الأولى الدّالّةُ على الخريف هي "الأعشابُ البحريّةُ المُرهَقةُ" التي تخرج في ذلك الفصلِ بكمّيّات هامّة، وهي بالتّحديد نبتةُ "الضّريع". والقرينة الثّانية هي أولئك "الصّيّادون" الذين "يختبرونَ لُغاتِ الصّبرِ". والمقصودُ بهم هنا هم صيّادو "الطّرّاح"[2] الذين يرقبون أسماك "المجّل"[3] التي تهجُم مثل "الضّريع" في كلّ خريفٍ.

رؤوف و"الضّريع" La posidonie (Posidonia oceanica) 

الضّريع (أو البوسيدونيا) هو نبات بحريّ خاصّ بالبحر الأبيض المتوسّط دون غيره من البحار، والعُهدةُ في ذلك على أهل العلمِ والذّكرِ الذين نقلوا إلينا هذه المعلومةَ. ومثله في البحر كمثل شجرة الزّيتون في البرّ، كلاهما مرتبط بالجغرافية المتوسّطيّة. وقد ذُكرت هذه النّبتة (أو على الأقلّ بهذا الاسم) في القرآن باعتبارها غذاءً عديمَ القيمة: "ليس لهم طعامٌ إلا من ضريع، لا يُسمِنُ ولا يُغنِي مِنْ جُوعٍ" (الغاشية: 6- 7). واختلف المفسّرون في تحديد هذه النّبتة، فمعظمهم اعتبرها نباتا برّيًّا، لكنّنا نجد روايةً يتيمةً منفرِدةً عن ابن عبّاس أوردَها القرطبيّ في تفسيرِه، تقول: "هو شيء يرمي به البحرُ، يُسمّى الضّريع، من أقوات الأنعام لا النّاس، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هزلاً"[4]. وربّما كانَت تسميةُ تلك النّبتة البحريّة بالذّات بـ"الضّريع" قياسًا على نبتة البرّ في كلّ نباتٍ لا حاجَةَ للإنسانِ به، وهو "لا يُسمن ولا يُغني من جُوعٍ".
ولعلّ انفرادَ القرطبيّ في إيرادِ هذا التّفسير البحريّ للكلمة يرجع إلى بيئتِه الأندلسيّة، فهو اسبانيّ متوسّطيّ قبل أن يكون رجلَ دينٍ مُفسِّرا للقرآن، ومدينة قرطبة التي وُلد بها في القرن الثّالث عشر الميلاديّ لا تبعد عن البحر المتوسّط كثيرا.
عندما يستوي "الضّريعُ" على سُوقِه في أعماقِ المتوسّط، يكونُ ذا لونٍ أخضرَ لامِعٍ، لكنّه يذبُل تدريجيّا في فصل الصّيف فيفقد اخضرارَه ونضارتَه وصلابتَه شيئا فشيئا إلى أن يُصبِحَ أسودَ أو بُنّيّا يميلُ إلى السّواد. ثمّ تأتي رياحُ الخريف وتيّاراتُه البحريّةُ وأمواجُه المُزبِدةُ لتقطعَ ما وهن منه وتذهب به بعيدًا في رحلةٍ متوسّطيّة تنتهي به إلى ضفاف الشّواطئ، حيث يلفظُه البحرُ ويضعُه في شكلِ أكداسٍ كبيرة كالتِّلال. يحدُث له ما يحدثُ في البرِّ لأوراق الشّجر في الخريف.
يستخدم النّاسُ في الوطن القبليّ "الضّريع" بعد أن يتكدَّسَ على الشّواطئ ويجفَّ تحت الشّمس والهواء، وذلك في بعض الحاجيات والأغراض، كتخزين أكداس البطاطا أو ملء الحشايا والوسائد والسّروج ونحوها...أمّا رؤوف قارة فله فيه مآرِبُ أخرى...

يقولُ العلماءُ (والعُهدَةُ دائما عليهم) أنّ "الضّريع" يكوّن نظاما بيئيّا له على الإنسان والحيوانِ والأرضِ أفضالٌ كثيرة، فهو يساهم في تخزين الكاربون وحماية الشّواطئ من الانجراف. كما يجدُ فيه السّمكُ طعاما سائغًا وملاذًا آمِنا يضعُ فيه بيضَه، لتستمرَّ الحياة...

تتكوّن النّبتة الملتصِقةُ بحجارة الأعماق من جذاميرَ (جمع جُذمور Rhizome) وهي سوقٌ (جمع ساق: Tige) ملتحِمةٌ بالقاعِ أُفُقيًّا وتشُدُّها بالأرضِ جذورٌ من ناحيتِها السُّفلَى، متفرِّقةٌ على امتداد هذه السّوق، ومِن ناحيتِها العُليا تنبُتُ الجذوعُ التي تخرُجُ منها الأوراقُ الخضراءُ. أمّا الجذوعُ فتذبلُ وتسقُطُ ويكونُ مصيرُها كالأوراق، وتُسمَّى عندنا "القبيون" بالقاف المعقودة. وأمّا الجذاميرُ فتموتُ ولكنّها تبقى عالقةً بالأرضِ، ثمّ تتحجّرُ بفعل تراكم طبقةٍ مِن رمل الصّوّان عليها (La silice)، وتصبح بعد آلاف السّنين أحافيرَ أو مُستحاثاتٍ (Fossiles) يلتقِطُها رؤوف ويعيدُ تجميعَ ما تناثر منها وتكسّرَ، فتتشكّلُ عملا فنّيًّا خالدا خلودَ الحياةِ المُستمرّة...
"البوسيدونيا" لم تعدْ عديمةَ الفائدة إذن، فهي تُسمِن وتُغني مِن جُوعِ الفنّانِ وشهوتِه وإنْ تحجّرت وطالَ انتظارُها آلافَ السّنين.

النّورسُ المكسور الجناح:

يستخدِم عبد الباسط بعد ذلك كلمةَ الجوعِ في قولِه:
"وذلك النّورسُ المريضُ
لم يهربْ عند قُدومِنا.
في أجنِحتِه المُنكسِرةِ ماتتْ تهويماتُ ذاكِرةِ الفضاء.
سنحمِلُه إلى السِّباخِ يلتقِطُ قُوتَهُ،
قال رؤوف بطِيبتِه التي اختَبرتْ جُوعَ الألوانِ.
ولكنْ في حشرجاتِ النّورس المُحتضِر
ذاكِرةُ لغات صحبة
وعزاء".

ففي الرّحلة الخريفيّة، الكُلّ راحِلٌ ومُرْهَقٌ في رحيلِه. الشّاعِرُ والرّسّامُ و"البوسيدونيا" (أو الأعشابُ البحريّةُ المُرهقةُ التي قطعت آلافَ الكيلومترات والسّنين)، وصيّادو "الطّرّاح" أتعبهمْ الصّبرُ والانتظارُ، وأخيرًا النّورسُ الجريح الذي رأى فيه رؤوف نفسَه حينما "تجوع للألوانِ"، فأشفقَ عليه واقترحَ حملَه إلى السّبخة ليلتقِطَ قوتَه لعلّه يتعافى فينطلقُ مواصِلا رحلتَه.

إنّ طيورَ النّورسِ تخرُجُ من وُكُناتِها فجرًا في جزيرةٍ من جُزُر اليونان أو إيطاليا أو لعلّها زمبرة أو زمبرتا أو جالطة... فتطوفُ آلافَ الكيلومتراتِ بحثا عن قوتِها وقوتِ فراخِها، ثمّ تعودُ في آخرِ النّهارِ بعد انتهاء الرّحلة إلى حيثُ كانت.

يقولُ لنا العُلماءُ (والعُهدة على الويكيبيديا الفرنسيّة هذه المرّة) إنّ طائرَ النّورس تعود تسميتُه الفرنسيّة (Goéland) إلى كلمة ( gwelan أو  gouelañ) وهي في اللّغة البريتانيّة السّلتيّة بجنوب فرنسا تعني (بَكى : Pleurer)[5] فلعلّه سُمّي كذلك لأنّه مجبولٌ على البكاء وصوتُه كأنّه النّحيبُ. وقد اختار الشّاعرُ كلمة "حشرجة" وهي كما جاء في المعجمِ من فعلِ "حشْرَجَ: ردَّدَ نَفَسَهُ في حَلْقِه. ويُقال: حشرجَ المُحتضَرُ عند الموتِ"[6]

لا أدري لماذا ذكّرتني صورةُ رؤوف مع النّورس الجريح بصورةِ الشّاعر عنترة بن شدّاد مع جوادِه الجريح في المعلّقة رغم الاختلافات الممكنة بين العالميْن:

فاِزْوَرَّ  مِنْ  وَقْعِ  القَـــنا  بِــــلَبَانِـه       وشكا  إليَّ  بِعبرَةٍ  وتحمْحُمِ
لو كانَ يَدْرِي ما المُحاورَةُ اِشْتَكَى        وَلَكَانَ لَوْ عَلِمَ الكلامَ مُكَلِّمِي

لكنّ رؤوفا فهمَ جيّدا محاورةَ النّورسِ واستبطنَ مشاعرَه وعرفَ قصدَه ومرادَه وشكواهُ. فكلاهما مسافِرٌ ومُرتحِلٌ ومُحلِّقٌ في سماء الحرّيّة. ولا يمكنُ السّفرُ والرّحيلُ في غياب الجناحيْن. لا سفَرَ إلاّ بالجناحيْن. ولا حياةَ إلاّ بالحرّيّة.

سافرَ رؤوف قارة واقتفَى آثارَ النّورسِ من "شبه جزيرة" الوطن القبليّ إلي جُزر البحر الأبيض المتوسّط، من إيطاليا واليونان واسبانيا، ثمّ سافر إلى ألمانيا، وأقامَ ستّةَ أشهرٍ من عمرِه في جُزرِ اليابان. وقد نهل في كلّ مكانٍ يحُطُّ به من معينِ الفنّ، فغاصَ في أعماقِهِ وصعِدَ في عليائهِ وسكرَ من نبيذِه، وخبرَ مشارقَ الأرضِ ومغاربَها وسبرَ ألوانَها وأشكالَها، ونصبَ بها راياتِ لوحاتِه الفنّيّةِ وأعلامَها. ثمّ عادَ إلى "شبه جزيرتِه" ليجِدَ "البوسيدونيا" تنتظِرُه من آلافِ السّنين، وقد تحجّرت بفعل الصّبرِ والانتظارِ. تنتظرُه ليُعيدَ تشكيلَها من جديد فتواصِلَ رحلتَها الخالدة وتحلّق في سماء الفنّ، لأنّ الحياةَ يجبُ أن تستمرَّ...

جلسْتُ في ورشةِ رؤوف قارة المُطلّةِ على ميناء قليبية. أمامي الحاسوبُ وسفنُ الصّيد الدّاخلة والخارجة. بدأتُ أكتبُ هذا المقالَ ورؤوف في مكانٍ آخرَ من الورشةِ منشغِلٌ بإعدادِ لوحاتِه التي سيُشارِكُ بها في معرضٍ من معارِضِه. وهو لا يعرِفُ أنّي بصددِ كتابةِ هذا المقال، لأنّه في ذلك الوقتِ يُحلِّقُ كالنّورسِ عاليا في سماءِ فنِّه. وكانت الأغنيةُ التي نستمعُ إليها معا هي أغنية محمّد عبد الوهاب: "النّيل نجاشيّ" التي تقولُ في ما تقولُ:

"جات  الفلوكة والملّاح       ونزلنا وركبنا
حمامة بيضا بفرد جناح      تودّينا وتجيبنا
ودارت الألحان والرّاح     وسمعنا وشربنا
صلّحلي قلوعك يا ريّس
هيلا هوب هيلا".

مزار بن حسن



[1]   منشورات الجمل بغداد- بيروت 2015 ط1، ص 20- 21.
[2]  الطّرّاح (بالفرنسيّة:  Epervierبالإيطاليّة:  Rezzaglio وبالاسبانيّة: Esparavel) آلة صيد شبكيّة قديمة ومنتشرة في كثير من بلدان العالم بأشكال مختلفة. وتتشابه أشكالها وطرق استخدامها في سواحل المتوسّط. وهي من عادات سكّان بعض المناطق السّاحليّة في تونس وتقاليدهم الموروثة. ويخضع صيد الطّرّاح قانونيّا إلى ما يُسمّى: الصّيد البحريّ وقوفا على الأرجل " la pêche à pieds" باستعمال الشّباك، المنصوص عليه بالفصل الخامس من القانون عدد 13 لسنة 1994 مؤرخ في 31 جانفي 1994 يتعلّق بممارسة الصّيد البحريّ.
[3]  خلال منتصف شهر أكتوبر من كلّ سنة ينطلق موسم صيد "المِجّل"  Mugil وهو سمك يعيش على امتداد سواحل البحر الأبيض المتوسّط، وينتمي إلى فصيلة البوريّات: Mugilidae وتُعتَبَر الطّرّاح قديما الوسيلةَ المثاليّة لصيدِه، قبل أن يتطوّر الصّيد البحريّ وتتطوَّرَ معه أدواتُه. ورغم تناقص كمّيّات المجّل التي تمرّ عبر شريطنا السّاحليّ من سنة إلى أخرى نتيجة الصّيد العشوائيّ والتّلوّث... فإنّ "الطّرارحيّة" ما زالوا أوفياء لموعدهم الخريفيّ مع هذه السّمكة.
[6]  المعجم الوسيط: مجمع اللّفة العربيّة.

25 mai 2016

مقتل فرنسيّيْن في جهة حمّام الأغزاز (في مثل هذا اليوم)

مقتل فرنسيّيْن في جهة حمّام الأغزاز
القتيلان كانا يُشاركان مع فريق من الفرنسيّين في عمليّات راديو دون معرفة الحكومة التّونسيّة


في مثل هذا اليوم (25 ماي 1956) في غابة وادي القصب بحمّام الأغزاز هجم بعض الثّوّار من حمّام الأغزاز على مجموعة من الفرنسيّين فقتلوا منهم اثنيْن. وكان ذلك على وجه الخطإ، إذ اعتقدوا أنّ هذه المجموعة هي من عصابة اليد الحمراء التي كثر الحديث عنها في تلك الأيّام.
كان لهذه الحادثة اهتمام إعلاميّ وانشغال سياسيّ، وقد دفعت الرّئيس الحبيب بورقيبة إلى التّدخّل لتحذير التّونسيّين من مغبّة الاندفاع وراء المشاعر الوطنيّة وارتكاب الجرائم عن غير وعي، مشيرا إلى أنّ الدّولة وحدها دون غيرها هي الكفيلة بالتّدخّل لتطبيق القانون. وفي ما يلي ما كتبته بعض الصّحف العربيّة والفرنسيّة عن هذه الحادثة:
جريدة الصّباح:

على السّاعة التّاسعة من مساء الأمس عقد كاتب الدّولة للأنباء ندوة صحفيّة خاصّة أدلى فيها إلى الصّحافيّين ببيان الحكومة التّالي حول حادثة مقتل اثنيْن من الفرنسيّين بقليبية مساء 23 الجاري: "إنّ التّحقيق في شأن حادثة قليبية التي تسبّبت في مقتل اثنيْن من الفرنسيّين قد جرى بسرعةٍ من طرف السّلط المحلّيّة. وقد ذهب وزير الدّاخليّة بنفسه إلى عين المكان بالوطن القبليّ في نهار الأمس.
وبعد مضيّ 24 ساعة على وقوع الحادثة اُعتُقل المتسبِّبون في الحادثة ووقع بحثُهم وإحالتُهم إلى محكمة الجنايات العليا. وقد أمكن الكشف بفضل التّحقيق عن المعلومات التّالية التي لا جدال فيها:
مند أيّام أقام جمعٌ من الفرنسيّين يتركّب من أربعة أو خمسة أشخاص معسكرًا بمركز حارس الغابة الكائن بالرّأس الطّيّب على بعد 7 كلم من حمّام الأغزاز.
وقد لاحظ السّكّان التّونسيّون منذ يوميْن أو ثلاثة بالخصوص تنقّلات وزيارات ومحادثات تحت جناح الظّلام، وكذلك تبادل إشارات ضوئيّة. وفي مساء الأربعاء أُوقف هؤلاء الفرنسيّون من طرف جمعٍ من التّونسيّين أقبلوا من حمّام الأغزاز، وقد صرّح هؤلاء بأنّ الفرنسيّين الأربعة الموقوفين قد حاولوا الفرار واستعمال أسلحتهم، فقُتل اثنان منهم وتمكّن الآخران من الفرار، ولم يكن أيّ شخص من الفرنسيّين الأربعة يرتدي أو يحمل معه زيّا عسكريّا. ويبدو أنّ هؤلاء الفرنسيّين كانوا يشاركون في تمارين المخابرة اللّاسلكيّة باتّصال مع الملاحة الجوّيّة والبحريّة.
ومن ناحية أخرى فإنّ الحكومة التّونسيّةَ لم يقعْ قطُّ إخطارُها بوجودهم أو بالمهمّة التي يقومون بها في ذلك المكان.
كما أنّ حارسَ الغابة قد ساعدهم إلى حدّ أنّه وضع تحت تصرّفهم منزله الخاصّ بدون أن يُشعر بذلك وزير الفلاحة الذي يرجع إليه بالنّظر. ويتّضح من هذا أنّه حصل التباسٌ مُفجِع. ومع ذلك فإنّ الحكومة التّونسيّة قد عقدت العزمَ أن تتّخذ إجراءاتٍ صارمةً حتّى يفهمَ الجميع أنّها هي المسؤولة وحدها عن حفظ الأمن والنّظام في هاته البلاد.
هذا وإنّ التّونسيّين الخمسة المشاركين في القضيّة قد اعتُقلوا هذا اليوم (أمس) وأحيلت قضيّتهم على محكمة الجنايات العليا. كما أعدّ مشروع أمر عليّ خاصّ خُتم هذا الصّباح للتّعجيل بالإجراءات القانونيّة تمهيدا لمحاكمتهم...
جريدة الصّباح
الجمعة 25 ماي 1956
تحقيق: مزار بن حسن


Tunis, 24 mai (A.F.P.). - On apprend de source autorisée française que le 23 mai, à la tombée de la nuit, un poste de quatre militaires, dont deux gradés, Installé sur la côte au nord de Kélibia, dans le cap Bon, a été attaqué.
Les militaires étaient en train de dîner à l'extérieur du poste. Ils étaient en tenue de repos et désarmés. Deux d'entre eux ont réussi à s'échapper tandis que les deux autres étaient assassinés.
On croit savoir que M. Roger Seydoux, haut commissaire de France à Tunis, a l'intention d'entretenir cet après-midi M. Habib Bourguiba de cette grave affaire.
Tunis, 25 mai. - Un porte-parole du haut commissariat de France a précisé, hier soir jeudi, que les quatre militaires attaqués sur la côte au nord de Kélibia effectuaient des exercices de radio en liaison avec l'air et la marine.
De son côté le secrétaire d'État à l'information du gouvernement tunisien a déclaré au cours d'une conférence de presse :
" L'enquête sur l'affaire de Kélibia, qui a coûté la vie à deux Français, a été menée rapidement par les autorités locales. Le ministre de l'intérieur s'est rendu lui-même au cap Bon.
" Vingt-quatre heures après cet événement les responsables arrêtés sont interrogés et seront déférés devant la Haute Cour. "
Le secrétaire d'État a donné les explications suivantes :
" Depuis quelques jours quatre ou cinq Français avaient établi un campement au poste forestier situé...

Tunis, 26 mai. - Le procès des agresseurs des quatre soldats français qui tenaient le poste de Kélibia, dans le Cap-Bon, viendra devant la Haute Cour de justice lundi prochain.

Le ministre de l'intérieur a envoyé aux caïds et khalifas des télégrammes les tenant personnellement responsables des agissements des supplétifs et des vigiles, qui ne doivent en aucun cas faire usage de leurs armes sans sommations
Lemonde : 1956/05/25-26-27-28
Mazar Ben Hassen

6 mai 2016

رجال الخرّوبة



رجال الخرّوبة

صورة من أواخر الثّمانينات. وهي من أكثر الصّور تعبيرا وتأثيرًا، إذْ يظهر فيها أحدُ الغُزّيّة (صاحب الصّورة) وهو يحملُ آخرَ ما تبقَّى مِن أثاث بيتهِ (مرفع) قبل أن تأتيَ الجرّافة لهدمِه.

"رجال الخرّوبة" الذي لم يبقَ منه أثرٌ اليومَ هو أقدمُ حيّ بحمّام الأغزاز، حيث يعود تاريخُ بنائه إلى القرن الثّامن عشر، وهو يجمع في هندستِه بين المعمار العربيّ والمعمار الإيطاليّ. وقد بناهُ الغُزّيّة بجانب مقبرة قديمة لا نعرف عن تاريخها شيئا سوى أنّ اسمَها: "رجال الخرّوبة"، وهي تشبه مكانا آخرَ في "هنشير الشّريف" (بين قليبية وحمّام الأغزاز) يُسمَّى "رجال الزّيتونة". كما لا نعرف أيضا أيّهما أسبق، الرّجال أم الشّجرة؟
تحيّة خاصّة إلى الرّجليْن الوحيدَيْن الذيْن فكَّرا في تصوير "رجال الخرّوبة" قبل فراقها إلى الأبد لنتمكَّنَ نحن اليومَ من رؤيتِها:

الأوّل هو صاحب الصّورة المرحوم حبيب بن عمر بن الحاج عليّ وقد شقّ عليه أن يرى بيتَ الأجداد يُسوَّى بالأرض.

الثّاني هو عبد الرّحمان الجنحاني شهر حيدود، الرّسّام الذي قضى طفولتَه في حمّام الأغزاز وبقي يُكنُّ لها حبَّا كبيرا إلى اليوم. وقد طلب من سائق الجرّافة أن يترقّبَ قليلا حتى يأتيَ بآلة التّصوير.

لمزيد الاطّلاع هذا مقال كتبته عن رجال الخروبة في جريدة "صوت الوطن القبليّ التّونسيّ" في 1 أوت 2012:

http://dimnaghozzya.blogspot.com/2012/08/blog-post_30.html

مزار بن حسن


4 mai 2016

حمّام الأغزاز: معقل الكرة الطّائرة الشّاطئيّة في تونس



مواكبةً لدورة حمّام الأغزاز للكرة الطّائرة الشّاطئيّة التّرشيحيّة لأولمبياد ريو 2016، تنشر "كاب ملاّح" يوميّا سلسلة من المقالات على امتداد أيّام الدّورة، بعضُها جديد وبعضها نُشر سابقا، مساهمة منّا في التّعريف بحمّام الأغزاز وعلاقة الغزّيّة بالبحر منذ القديم.


حمّام الأغزاز: معقل الكرة الطّائرة الشّاطئيّة في تونس
(أكثر من 20 سنةً)

المكان: شاطئ حمّام الأغزاز.
الزّمان: أوت 1996.
المناسبة: فوز حمّام الأغزاز بكأس دورة "حمّام الشّطّ" (1996).
الصّورة: في الوسط: المرحوم عماد بن حسن. على اليمين: حاتم بن الحاج صالح. على اليسار: حبيب بن الحاج عمر.
المصدر: نجيب بن عيسى
مزار بن حسن


3 mai 2016

سبّاح مُنقذ غُزّيّ منذ سنة 1936 Un maître-nageur sauveteur Ghozzi




بمناسبة دورة حمّام الأغزاز للكرة الطّائرة الشّاطئيّة التّرشيحيّة لأولمبياد ريو 2016، تشرع "كاب ملاّح" اليوم في نشر سلسلة من المقالات على امتداد أيّام الدّورة، بعضها جديد وبعضها نُشر سابقا، مساهمة منّا في التّعريف بحمّام الأغزاز وعلاقة الغزّيّة بالبحر منذ القديم.

سبّاح مُنقذ غُزّيّ منذ سنة 1936  Un maître-nageur sauveteur Ghozzi

 وثيقة من سنة 1936 تدلّ على تألّق أبناء حمّام الأغزاز منذ عهود في الرّياضات البحريّة وتعلّقهم بالبحر وعشقهم الدّائم والمتواصل له.

عبد القادر بن صالح بن عيسى: وُلد في 25 فيفري 1912. وتوفّي في 12 جوان 2007.

 تحصّل عبد القادر بن عيسى في 25 سبتمبر 1936 على شهادة سبّاح منقذ من الجامعة الوطنيّة الفرنسيّة للإنقاذ بعد اجتيازه بنجاح سلسلة تمارين في السّباحة الحرّة والغوص في مدينة "تولون" جنوب فرنسا. وذلك أثناء أدائه الخدمة العسكريّة في جيش البحريّة الفرنسيّ.

مزار بن حسن

Fédération nationale de sauvetage

Epreuves dencouragement à la natation utilitaire, aux exercices de sauvetage et de secours publics

Brevet de nageur complet décerné à Abdelkader Ben Salah Ben Aissa, matelot fusilier.
Epreuves : Parcourir 200 mètres nage libre- Plonger de 3 mètres de hauteur- Ramener un poids de 2 kilos coulé à 2.5 mètres de fond.
Commission dexamen Toulon, le 25 septembre 1936.

Source : Najib Ben Abdelkader Ben Aissa

المصدر: نجيب بن عبد القادر بن عيسى