23 août 2016

حمّام الأغزاز: البلدة التي تُقاوِمُ التّهميشَ بالثّقافة

على هامش "الخيمة الصّيفيّة للصّورة والتّعبيرة الفنّيّة بحمّام الأغزاز"

حمّام الأغزاز: البلدة التي تُقاوِمُ التّهميشَ بالثّقافة

مزار بن حسن



في سنة 1949 كان هناك صحفيٌّ تونسيٌّ ، اسمُهُ "محمّد قدّاس"، وهو مراسلٌ متجوِّل كلّفتهُ جريدة "تونس" لصاحبها زين العابدين السّنوسيّ في ذلك الوقت بالقيام بجولة في الوطن القبليّ وكتابة تقارير يوميّة ملخِّصًا ما شاهده من أوضاع وأحوال. وكانَ من بين الأماكن التي زارها وكتب في شأنها "حمّام الأغزاز" في أقصى الشّمال الشّرقيّ من الوطن القبليّ. ويبدو أنّ هذا الصّحفيَّ لم يكن يعرفُ تلك القرية قبل ترحالِه إليها وتجوالِه فيها. فعُنصُر المفاجأة والاستغراب كان مفهومًا بين سطورِ مقالِهِ. يقول هذا المراسِلُ مُحاوِلا تقريبَ ما رآهُ إلى ذهنِ القارئِ:

"حمام الأغزاز: [في ذلك المكان] جاء المهندس- مثل كلّ عام- يقيس الأرض ويتحرّك أمام النّاس ويتهامس القوم: "هاهي الدولة ستقيم لنا مكتبا"، ومثل كلّ عام لم يُفتح المكتب، وإنما هي مظاهرات يبرّرون بها المجابي ويُطمّعون بها النّاسَ تغريرا بالثقة. فلا مدرسة ولا مستشفى ولا طريق معبّدة توصل إلى القرية ولا سيّارات نظاميّة تبلغ المسافرين وتوصل الرّسائل. والسّيّارات لا تصل إلا إذا كانت مشمَّرة تسير على عجلات عالية لتصعد الصّخور وتهبط الحفر، فالسّير على الأقدام وعلى الدّوابّ أسلمُ من السّير على الدّرّاجة. وبعد هذا فلا نور كهربائيًّا ولا قنواتِ الماء يجري فيها ويسيل للشّاربين إلا الآبار.

والقرية على ثلاثة أميال من مدينة قليبية وتكوّن الرّأس المُشير إلى المشرق من هذا الشّمال التّونسيّ، تقع مواجِهة لجزيرة "بنتالريّة" على الطّرف الخارج من المملكة التّونسيّة.
وهي على أرض صخريّة، ونفس بناءاتها صخريّة وكثير منها تاريخيّ عتيق، فأرضها المخدومة المحياة صغيرة المساحة بين البحر وقليبية. إلا أنّ أهلها ذوو حزم وعزم وعمل مبارك في الزّراعة، فعلى صغرها تصدّر 150 طنا من الكاكويّة التي هي فاكهة لا تُزرع بغيرها من ترابنا، وإنما تُستجلب من الخارج. وتصدر من الكرويّة 600 طن، ومن الفلفل 500 طن، وفيها زراعات كثيرة أخرى، ناهيك أنها تصدر من الدلاع والبطيخ 2000 طن، مع أن سكانها لا يزيدون عن 3500 نسمة وإنما مضايقات اليوم ترزح الناس بعد أن كانت أيام الاشتغال في الحرب الأخيرة قد ضاعت البناءات 70 في المئة وزادت الآبار 80 في المئة، مع أن السمك الصخري خمسة أمتار ولا بد من نقرها بالمنقار" (1).

المفارقة

المفارقةُ العجيبةُ التي سكنتْ فكرَ هذا الصّحفيّ وعقلَهُ آنذاك هي التّالية: كيف لهذه القرية الصّغيرة بأراضيها المحدودة وموقعها الجغرافيّ الضّيّق وكثرةِ صُخورِها وصعوبةِ النّفاذِ إليها وقلّةِ عددِ سكّانِها، أن تخرُجَ منها كلُّ هذه الخيرات؟ وفي الجانبِ المقابل: كيف لهذه القريةِ السّاحرة المعطاء أنْ تُحرَمَ من التّنمية وهي أحقُّ المُدُنِ بها؟؟

وفي الحقيقة، فإنّ هذا التّساؤلَ الطّبيعيّ والبديهيّ ما زالَ إلى اليوم يتردَّدُ ويتكرَّرُ على لِسانِ كُلِّ مَنْ يدخُلُ حمّام الأغزاز ويكتشفها أوَّلَ مرَّةٍ. وقد قرأتُ في الأيّام الأولى للثّورة التّونسيّة تدوينةً على الفيسبوك لأحد هؤلاء المستكشفين لحمّام الأغزاز يقولُ فيها ما معناه:

ارتبطت الثّورة التّونسية لدينا ولدى معظم المتابعين للشّأن الوطنيّ التّونسيّ بالحركة الشعبيّة والاحتجاجيّة التي انطلقت من الجهات الدّاخليّة للبلاد (سيدي بوزيد- القصرين خاصة) باعتبارها جهات محرومة من معظم حقوقها الاقتصادية والاجتماعية طوال فترات الأنظمة السّياسية السّابقة، فهي جهات مهمَّشة لأنّ الحكّامَ على مرِّ تاريخ تونس المعاصر أهملوا المناطق الدّاخلية لصالح المناطق السّاحليّة. لكنّ هذه الفكرة السّائدة سرعان ما تتلاشى إذا ما علمنا أنّ هناك كثيرا من المناطق المسمّاة "محظوظة" ليست بالضّرورة كذلك، إذ نجد في داخلها أماكن مهمَّشة بدورها، ونذكر من أهمّ الأمثلة على ذلك حمام الأغزاز من ولاية نابل السّاحلية...

فعلا، لم تكن مسألة التّنمية في حمام الأغزاز مطروحة في تاريخنا البعيد، فقد ارتبط اسم البلدة في المنطقة تاريخيّا- على صِغرِ مساحتِها الجغرافيّة المحدودة بالبحر من جهتيْن- بالخيرات الفلاحيّة بكافّة أنواعِها التي تنتجها بفضل أراضيها الخصبة وخبرات سكّانها في النّشاط الزراعيّ بكافة أنواعه وخاصة زراعة الأشجار المثمرة، وكذلك بفضل قدرتهم على التّأقلم مع ما تفرضه المنطقة من تغيّرات على صعيد الاحتياجات الغذائيّة. وهو ما قرأناه في مقال الصّحفيّ التّونسيّ "محمّد قدّاس" سنة 1949. لكنْ في فترة الاستعمار الفرنسيّ، تضرّرت الجهة كثيرا بسبب استنزاف ثرواتها من طرف المعمّرين وبسبب استغلال التّجّار والمرابين الأجانب. فكان ذلك دافعا لتأجيج المشاعر الوطنيّة، حيث ساهم أبناء حمام الأغزاز مساهمةً كبيرةً في الحركة الوطنيّة خاصّة في ما يُعرف بأحداث جانفي 1952، وهو ما يؤكّد أيضا ترسّخ التّقاليد الحقوقية والوطنيّة في الجهة وعراقتها.

بعد الاستقلال لم تشهد حمام الأغزاز أيّ شكل من أشكال التّنمية، خاصة بعد تراجع القطاع الفلاحيّ بسبب ضيق الأراضي وتشتّت الملكيّة ونقص مياه الرّيّ، فباستثناء مؤسّسات إداريّة حكوميّة (بلديّة- معتمديّة- مركز للحرس الوطنيّ- إدارة فرعيّة للفلاحة- معهد ثانويّ...) لا توجد مشاريع اقتصاديّة توفّر حقّ الإنسان في الشّغل والعيش الكريم، وهو ما يفسّر التجاء معظم أبناء المنطقة إلى العمل خارج البلدة وفي المهن الحكوميّة وخاصّة في مجال التّعليم.

وقد تسبّب غياب المشاريع التنمويّة والاقتصاديّة في الجهة في تهميش المنطقة وعدم الاعتناء بالبنية الأساسيّة من طرقات وشبكات تطهير ومياه وغيرها... وذلك رغم أن الجهة تختص بمميزات طبيعية وجماليّة وتاريخيّة وثقافيّة (جمال الشاطئ- وفرة الغابات- المرتفعات المطلّة على البحر- السّبخة- آثار كركوان البونيّة ودمنة الرّومانيّة...) ممّا يجعلها مرشَّحة أكثر من غيرها لأن تَحظى بالعناية من زاوية سياحيّة أساسًا.

المقاومة الثّقافيّة

وإنّ المتتبّع لتاريخ حمام الأغزاز منذ الاستقلال خاصة، يلاحظ بروز جيل جديد في السّتّينات من القرن الماضي من خرّيجي المعاهد والجامعات التونسية القليلة آنذاك والذين تلقَّوْا تعليمهم الابتدائيّ العصريّ في حمام الأغزاز بعيد تأسيس المدرسة العربية- الفرنسية المختلطة بها في 19 جانفي 1952. حيث انطلق أبناء هذا الجيل في استظهار طاقاته الجديدة وأفكاره الطليعيّة وأصرّوا على استكمال المسيرة التنمويّة بروح جديدة ومختلفة، فكانوا مبدعين في الميدان الاجتماعي والثّقافي خاصّة، فأسّسوا اللجنة الثقافية المحليّة وفرقة المسرح في السّتّينات، وجمعيّة "فتح" للكرة الطائرة في السّبعينات، ومهرجان "كركوان الثقافي" في الثّمانينات. وتمكّنوا بوسائلهم البسيطة من الإشعاع جهويّا ووطنيّا ومن التّعريف بالبلدة والمساهمة في إثراء المشهد الثّقافي التّونسي بكثير من الشّعراء والفنّانين والكتّاب والمبدعين. وقد مثّل تأسيس البلدية في بداية الثّمانينات حافزا (في بدايته خاصة) لكثير من الطّاقات والكفاءات الجديدة ولغرس تقاليد المواطنة والعمل المدنيّ والثّقافيّ لدى السّكّان.

وقد كان للتّنوّعِ الفكريِّ والسّياسيّ الذي ميّز البلاد التونسية في الثّمانينات أثرُهُ في حمّام الأغزاز، حيث عجّت البلدة بالأفكار الشّبابيّة المتحمِّسة لشتَّى التوجُّهات السّياسيّة والفكريّة، وكانت، رغم حالة الاستبداد السّياسيّ وهيمنة الحزب الواحد آنذاك ورغم ما آلت إليه البلديّة في التّسعينات من تدهور وعجز ماليّ واقتصاديّ، رافدا أساسيا من روافد العمل الثقافي الذي لم ينقطع حتّى في أحلك فترات الهيمنة والقمع (في آخر عهد بورقيبة وعهد بن علي) حيث تمكّن شباب حمّام الأغزاز من مواصلة الإشعاع خاصة في مجالاتٍ مُتنوِّعةٍ: - الكرة الطّائرة الشاطئيّة التي تألقوا فيها على المستويات الوطنيّة والدوليّة، وثمرة ذلك اليوم هو ترشّح الثّنائيّ شعيب بن الحاج صالح وعرفات النّاصر الذي مثّل تونس في مسابقات الألعاب الأولمبيّة التي أُقيمت بريو دي جانيرو. - والسّينما: من خلال نادي السّينمائيين الهواة وما أنتجوه من أفلام وأشرطة نالت كلّ الاحترام والتّقدير، وخاصة ما كان من نجاح وتألّق بعد الثّورة، وهو ما تمّ تتويجه بما ناله فيلم "الأرواح المحترقة" لجهاد بن سليمان سنة 2011 وفيلم "ولد الفقر" لنضال بن حسين سنة (2012) من جوائز وطنيّة ودوليّة مشرّفة. وهما فيلمان يُلخِّصانِ ما يشعرُ به الشّابّ الغُزّيّ (نسبةً إلى حمّام الأغزاز) من أنَّه طرفٌ فاعِلٌ في تونس وغيورٌ على القيم الوطنيّة وعلى إرثِه الطّبيعيّ والحضاريّ والثّقافيّ.


(1)               جريدة "تونس" لصاحبها: زين العابدين السنوسي، السنة 13: السلسلة الجديدة: العدد: 54. الأربعاء 13 جويلية 1949 (17 رمضان 1368) ركن: "أنباء القطر" ص2.

8 août 2016

أصل عائلة بوخزنة

أصل عائلة بوخزنة



في مثل هذا اليوم (8 أوت) من سنة 1886 تمَّ العثور على "خزنة" (كنز) في سبخة "بوزيد" بحمّام الأغزاز. وقد كان الصّبيّ مُحمّد الأصغر بن عليّ بن مُحمّد بن حسين يرعى بقرًا له هناك ويلعب مع صبيةٍ آخرين كما يقول البحثُ الذي أُجرِيَ آنذاك: "وإنّهم وجدوا شيئا مثل "المخفيّة" به دراهم ذهبًا وخاتم وزوج مقايس (سوار) وزوج ونايس (أقراط)..." وغيرها من الحليّ. وفي البداية لم يعرفْ هؤلاء الأطفال قيمةَ تلك الأشياء الثّمينة فلعبوا بها وزيّنوا بها رؤوسَ الأبقار. لكن عندما وصلَ الخبرُ إلى أهل البلدة أعلموا شيخ قليبية فحجز المصوغ وقام بتحقيق في الغرض لا نعرفُ بالتّحديد إلى أيِّ نتيجةٍ وصلَ. ومنذ ذلك التّاريخ أُطلقَ على الصّبيّ محمّد الأصغر بن حسين لقبُ "بوخزنة" رغم أنّه لم ينتفِعْ منها بشيء.
كان "بوخزنة" ذا بشرةٍ بيضاء تميلُ إلى الحُمرةِ، وكان معروفًا بـ "النّوّارة" التي يضعُها دائمًا على أُذنِه. كما كان أيضا عاشقا للصّيد والبيزرة.
لمعرفة نسَبِه انظُر الشّجرة المصاحبة.

مزار بن حسن

المصادر:
-        دفتر العدل عمر بو عفيف (الأرشيف الوطنيّ التّونسيّ)
-        مصادر شفويّة.