مصطفى بن
الحاج رحومة (سي مصطفى)
سي مصطفى |
مناظرة 6 أفريل 1940 التي تحصّل فيها سي مصطفى على المرتبة الأولى |
يوم
18 فيفري 1953 هو يوم أسْود في تاريخ حمّام الأغزاز. فقد تمَّ فيه إيقاف الشّيخ
مصطفى بن الحاج رحومة بِشكلٍ مُهين مِن قِبل السّلطة الفرنسيّة ثمّ أُودِع السّجن.
وُلِد
مُصطفى بن عليّ بن امحمّد بن الحاج عبد الرّحمان (شُهر الحاج رحومة) بن امحمّد بن
حسين بن امحمّد بن عبد الدّائم بن مُحمّد بن مُحمّد غُزّيّ الطّرابلسيّ يوم الجمعة
10 أفريل 1908 بحمّام الأغزاز. وأمُّه هي صلّوحة بنت الحاج عليّ بن الحاج عمر بن
أحمد بن عليّ بن قاسم بن عليّ بن عبد الدّائم.
تعلّم
بحمّام الأغزاز ثمّ بجامع الزّيتونة حيثُ تحصّل على شهادة التّطويع. اِلتحقَ
مُبكِّرًا بالحركة الوطنيّة والحزب الدّستوريّ (الدّيوان السّياسيّ) وشارك في
مظاهرات 8 و9 أفريل 1938 وأُصيبَ برصاصة بعد إطلاق النّار عليه من قبل قوات الجيش
الفرنسيّ التي فرّقت المظاهرة بالقوّة.
بقيَ
سي مصطفى جريحًا بدون إسعاف في مبيتِه بالمدرسة الشّمّاعيّة بسوق البلاغجيّة وذلك
خوفا من تفطّن السّلطة إليه لأنّهم كانوا يتتبّعون الجرحَى لمُحاكمتِهم، إلى أن
أتاه والِدُه "سي عليّ بن الحاج رحومة"- وكان عدلَ إشهاد- فتمكّن مِنْ
إسعافِه سِرًّا في المستشفى الصّادقيّ.
عادَ
إلى حمّام الأغزاز وتزوّج في السّنة نفسِها "دَدُّو بنت خالِه مُحمّد بن
الحاج عليّ بن الحاج عمر" (ديسمبر 1938). وإثر وفاة والِدِه يوم 24 جوان 1940، جاءت تسمِيتُه مُدرّسَ علوم
في جامع "باب بلد" بقليبية بعد أن نجح في مناظرة التّدريس التي أُقيمت
يوم 6 فيفري 1940، ثمّ عُيِّنَ إمامًا وخطيبًا بالجامع العتيق بحمّام الأغزاز
بمقتضى أمرٍ عليّ مؤرَّخ في 20 مارس 1941.
وبعد
أن كسب الشّيخ مصطفى ثقةَ النّاسِ في عملِه بالتّدريس تمَّ تعيينُه نائبًا لجمعيّة
الأوقاف بقليبية في 29 فيفري 1944عِوضًا عن والِدِه الذي كان يشغل هذا المنصبَ منذ
31 جويلية 1911، وهو ما يُتيحُ له إدارةَ شؤون المساجد والزّوايا وجميع الأوقاف
والأحباس المتعلّقة بها في قليبية وحمّام الأغزاز والهوّاريّة وأزمور.
في
6 أفريل 1950 انتقل من التّدريس بجامع "باب بلد" إلى التّدريس بالجامع
الكبير بحمّام الأغزاز جامِعًا بين ثلاثِ خُطط: الإمامة والتّدريس ونيابة الأوقاف.
وبقي على هذا الأمر إلى أن جاءت حوادث 24 و25 جانفي 1952. وقد كان في تلك الأثناء
نصيرًا للثّوّار وحزب الدّستور والحركة الوطنيّة مُدعِّمًا لها مادّيًّا ومعنويًّا.
لكنَّ الأمورَ تغيّرت بعد ذلك وانقلبَ عددٌ كبير من الثّوّار عليه مُتَّهِمينَه
بالوشاية، وعمِلوا على تشويهِه وإلصاق التُّهم الباطلة به، وقد نجحوا في ذلك إلى
حدٍّ بعيد، فقد ألقت القوات الفرنسيّة القبضَ عليه بشكلٍ مُهينٍ في مَنزِله يوم 18
فيفري 1953 أمامَ زوجتِه وأطفالِه وأخرجُوا مِن بيتِه بندقيّة حربيّة من نوع
"موزير Mauser"
ألمانيّة الصّنع ومعها 14 خرطوشة، وكلُّها كانت مدسوسةً بطريقة كيديّة بغرض
الانتقام كما يقول مُعظَمُ الرُّواة في حمّام الأغزاز.
وكانت
هذه الحادثة سببًا حكمت بمُوجِبه المحكمة العسكريّة الفرنسيّة عليه بعامَيْن سجنا
يوم 8 جويلية 1953. ثمّ جُرِّدَ من جميعِ
خُططِه السّابقة وأُعفِيَ مِن وكالة الأوقاف التي جمعت دفاترَها وأوراقَها
وكَلَّفت عدلَ الوقف السّيّد مُحمّد بن حميدة بصفة مؤقَّتة. لم يقضِ سي مصطفى العقوبةَ
كاملةً بل أُطلق سراحُه يوم 29 أوت 1954. ومِن ذلك التّاريخ بدأت مِحنَتُه
المادّيّة والنّفسيّة، وأصبحَ فاقِدًا لجميع وظائفِه ومُهدَّدًا بالتّصفية مِن
قِبلِ بعضِ الثّوّار.
وفي
يوم الاثنيْن 28 نوفمبر 1955 اغتنمَ فرصةَ زيارة بورقيبة إلى حمّام الأغزاز فذهب
لِيُسلِّمَ عليه، لكنَّ بعضَ الحاضرين لم يُعجبهم قُدومُه واتّهموه أمام بورقيبة بالخيانة
والتّحريض على قتل المقاومين. ويُرْوَى أنَّ بورقيبة قال آنذاك: "لتَوْ بيه
انتوما؟؟" ففهم بعضُهم من هذا الكلام دعوةً إلى القتل فهمُّوا بقتلِه لولا
تدخّل "محجوب بن عليّ" المسؤول عن أمن بورقيبة والدّيوان السّياسيّ
آنذاك، ودعوتِه إلى تأجيل ذلك حتّى لا تتحوّلَ الزّغاريد إلى نُواح على حدِّ
تعبيرِه، باعتبار أنّ التّونسيّين يحتفلون في تلك الأثناء بالاستقلال الدّاخليّ.
بعد
هذه الحادثة هرب سي مصطفى إلى مزرعتِه بــ"دار علوش" فحمَاهُ شيخ المقاومين
بحمّام الأغزاز "الصّادق بن حمودة" الذي آمنَ بنزاهتِه ووطنيّتِه. وبقيَ
هناك مدّةً طويلةً محرومًا مِن الحرّيّة والشّغل ومِن أبسطِ حقوقِه الحياتيّة، واستُبيحَ
مَنزِلُه في حمّام الأغزاز ومُنِع مِن العودةِ إليه إلاّ بعد سنواتٍ. كما ازدادتْ
حالتُه شِدَّةً عند وفاة زوجتِه بشكلٍ مُفاجِئ إثر نزول صاعقة عليها وهي مارّة
بالطّريق يوم 12 أكتوبر 1962.
في
بداية السّبعينات تمكّن أهالي "دار علوش" مِن بناء مسجدٍ هناك واختارُوا
سي مصطفى ليكونَ إماما لهم، فلمّا سمِع المسؤولون في حمّام الأغزاز بذلك عارضوا
الأمرَ بشدّة وأرسلوا المكاتيب تلو المكاتيب إلى السّلط حتّى تمتنعَ عن تسميتِه
إمامًا. لكنّ أهالي "دار علوش" أصرّوا على موقفهم بعد أن آمنوا إيمانًا
يقينًا بكفاءتِه ونزاهتِه لِما رَأوْا مِنْ أخلاقِه وحُسنِ جِيرَتِه عندهم. وكان
لهم ما أرادُوا، فأصبح إماما لهم بصفةٍ رسميّة، وبقيَ كذلك إلى وفاتِه.
تُوُفِّيَ
سي مصطفى يوم الجمعة 23 مارس 1979 ودُفِنَ في اليوم الموالي في مقبرة "ستِّي
مريم" بحمّام الأغزاز، وألقَى الشّيخ عبد الحميد بن الطّيّب بن رجب من قليبية
حينَها كلمةَ التّأبين في جنازتِه، وقد أشادَ فيها بعِلْمِه وتواضُعِه وأخلاقِه
ونُبلِ سَريرَتِه.
أنجبَ
سي مصطفى ولدًا وبِنتًا مِن زوجتِه الأولى وبِنتًا مِن زوجتِه الثّانية "ددّو
بنت الهادي بن الطّاهر النّجّار".
مزار بن حسن
المصادر:
-
الأرشيف الوطنيّ التّونسيّ
-
جريدة العمل: الخميس 1 ديسمبر 1955
-
مصادر شفويّة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire