7 avr. 2008

الحمّام .. تراث وهوية: صوفية الهمامي

الحمّام .. تراث وهوية: صوفية الهمامي
كان للسيّدات رغم كل شيء، بعض فرص للخروج. وكان الذهاب إلى الحمام أحبّها إليهنّ. ورغم أن بعض الدّور كانت تحتوي على حمام خاص، ورغم أن أغلب المساكن جهّزت اليوم ببيوت استحمام، فإن الحمام كان ولا يزال المكان الذي يستطاب الذهاب إليه عشيّة كل عيد أو فرح، يذهب إليه للتطهّر وللاسترخاء، أو لمعالجة برد أو قطان. وتنسب للحمام معجزات: أفلم يحدث أن حملت نساء عاقرات بعد حصص حمام منتظمة؟.
وإذا كان الرجال يستطيبون أن يمسّدوا بشدّة فيلجئون إلى “الطيّاب” ليعركهم ويمدّدهم حتى تطقطق مفاصلهم، فإن النساء يستعنّ بـ”الحارزة” في غسل شعورهن أو ظهورهن أو لتجلب لهن الماء من الحوض، في تلك الأسطل المسطحة الكبير المصنوعة من نحاس مقصدر التي لا تخلو منها جهاز عروس.وكانت نساء البورجوازية العليا، فيما مضى، يكترين الحمام، كلّه، حتى يكنّ فيه في جوّ عائلي صرف، مع كنّاتهن وبناتهن ووصيفاتهن العديدات. أمّا اليوم، فهنّ يحجزن “المقصورة”، وهي حجرة مفروشة حشايا يلففنها بعناية بألحفة نظيفة ويسترحن فيها عند انتهائهن من الاستحمام. في حين تلتقي النساء المتواضعات الحال على “الدكّانة” الخشبية، التي لا يغطيّها إلا الحصر، أين يستمتعن وهنّ يرتدين ثيابهن بعض أجمل ما عندهنّ من الملابس الداخلية ويهدين لبعضهن البعض “ماء الكولونيا” والعطر ويثرثرن ويتبادلن النصائح وطرق إعداد الأطعمة. وأثناء ذلك يتمزّزن مشروبات باردة.
لا نجد في المعاجم المعنى الدقيق لمصطلح “الحمّام” في البلدان العربية والإسلامية بيد أن خيط الربط لهذا المعنى في كل المجتمعات عربية إسلامية كانت أو أجنبية يظل واضحا ومتفقا عليه وهو معنى الاستحمام بالماء أو بالسوائل. وتونس التي تزخر بحوالي ثلاثين ألف معلم وموقع أثري ظلّ “الحمّام” فيها بارزا بالمئات وربّما بالآلاف ضمن هذه الآثار، بل أن مدنا بأكملها اقترن اسمها وانصهر في “الحمّام” على غرار مدن “حمام الأنف” بالضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية و”حمام الأغزاز” بالشمال الشرقي و”حمام بورقيبة” بالشمال الغربي للبلاد التونسية.
وبصرف النظر عما استحدث من حمّامات جديدة في المدن والأحياء والمركبات السكنية الجديدة التي ولّدتها الطفرة السكانية التي تلت استقلال تونس سنة 1956، هناك حمّامات ظلّت صامدة قرونا وقد تظلّ كذلك لاسيما تلك التي تستمد ماءها من المنابع الطبيعية الساخنة من باطن الأرض، فلهذه الحمامات مزاياها ومنافعها على صحة الإنسان، وإلى حدّ اليوم ينصح الأطباء مرضاهم ويعدون لهم وصفة محدّدة للاستحمام فيها للتخلّص من بعض الأمراض الجلدية وداء المفاصل أو الروماتيزم أو أوجاع العمود الفقري وغير ذلك من الأمراض.
والتداوي في مثل هذه الحمّامات مكلّف جدّا بالنسبة للمواطن العادي وقد يصل إلى آلاف الدولارات في الأسبوع الواحد لأن حصص التداوي يباشرها أطباء مختصون وطاقم شبه طبي على مدار اليوم وتتخلّل فترات الاستحمام عمليات تدليك وأحيانا عمليات طلاء بالطين الساخن وغيره من المستحضرات الطبيعية والصناعية ونظرا لارتفاع الكلفة فإن المواطنين الذين تشملهم التغطية الاجتماعية يسترجعون مقابل ما أنفقوه من شركات التأمين أو من الصندوق الوطني للتضامن الاجتماعي أو الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية تماما شأنهم شأن نزلاء المستشفيات العمومية أو المصحات الخاصة.
صوفية الهمامي:
مقتطف من موقع: دروب.

Aucun commentaire: