26 déc. 2015

حوض التّعميد بكنيسة "القدّيس فيليكس" بدمنة Baptistère du prêtre Félix à Demna


حوض التّعميد بكنيسة "القدّيس فيليكس" بدمنة
Baptistère du prêtre Félix à Demna



من كنوز الشّريط السّاحليّ بجهتنا: حوض التّعميد (حوض القدّيس فيليكس) بدمنة وادي القصب. وقد اكتشفه عالم الآثار الفرنسيّ "كريستيان كورتوا" سنة 1955 إثر حفريّات قام بها في كنيسة القدّيس فيليكس المُطلّة على البحر، والتي يسمّيها أهل المنطقة "الحمّام"، ومنه اسم الهنشير: "هنشير الحمّام" بقسميْه: الجوفيّ (حمّام الجبليّ) والقبليّ (حمّام الأغزاز).
وقد اعتُبر هذا الحوضُ من أجمل الأعمال الفسيفسائيّة المسيحيّة التي عُثر عليها في إفريقيا وكافّة العالم الرّومانيّ. وقد تمّ نقله بعناية إلى تونس، وهو اليومَ معروض بمتحف باردو.
ويعود تاريخ بناء هذا الحوض إلى العهد البيزنطيّ (533- 647 م) وهو مبنيّ على بقايا حوض آخرَ قديم وقع الاستغناءُ عنه حسب التّقريب في بداية الغزو الفنداليّ (429 م).
الصّور التي تزخرف هذا الحوضَ هي لنباتات وحيوانات متوسّطيّة معروفة لدينا في المنطقة (تين- عنب- زيتون- رمّان- سمك- عصافير- نحل...) أمّا النصّ فمكتوب باللّاتينيّة، وهو إهداء إلى زعيم الكنيسة الكاثوليكيّة من القدّيس "أدلفيوس" وزوجته "جوليانا" وابنيْهما "فيلا" و"ديوغراتياس" من أجل المياه الخالدة.
ويعتقد المؤرّخون مثل "كورتوا" و"الطاهر غالية" أنّ هذا الحوض الفسيفسائيّ يشهد على وجود طائفة مسيحيّة هامّة في هذه المنطقة بدايةً من القرن الرّابع الميلاديّ. وربّما كان مركزها قليبية.
كما يُفهَم من كلام المؤرّخين أيضا أنّ العناية الفنّيّة الكبيرة بالكنائس في تلك الفترة، والبذخ الكبير المحيط بالاحتفالات والطّقوس الدّينيّة المسيحيّة يدلّ على تحالف بين الكنيسة وأكليروسها وبين الأرستقراطيّة الإقطاعيّة الفلاحيّة، ممّا جعل الكنيسة تفقد شعبيّتها  وتتحوّل من كنيسة الفقراء والعبيد إلى كنيسة الأغنياء وأصحاب السّلطة. وهو ما شجّع الثّورة عليها وسهّل دخول العرب إلى تونس.

مزار بن حسن

C’est une cuve baptismale découverte en 1955 par l’archéologue Christian Courtois, dans l'église du prêtre Félix (appelée « Hammem » par les locaux) à Demna (Oued elKsab).
Christian Courtois affirme qu'elle était « un des plus beaux ensembles de mosaïques chrétiennes qui aient été trouvés en Afrique, et même, en son espèce, dans l'ensemble du monde romain »
« La cuve baptismale a remplacé une cuve plus ancienne qu'on a retrouvée entre elle et le mur sud de l'édifice. Cette première cuve (…) fut abandonnée dans les premières décades du 5éme siècle, peut-être au moment de l'invasion vandale. C'est-à-dire aussi que le nouveau baptistère ne fut construit qu'ultérieurement, vraisemblablement au moment de la reconquête byzantine.

A l'intérieur de la piscine, dont le fond est occupé par un
chrisme à croix latine, il offre une série de motifs plus ou moins
complexes : poissons, abeille, oiseaux, arbres (figuier, olivier, palmier, pommier ou grenadier ?)

Un texte écrit en latin:

 « En l'honneur du saint et bienheureux évêque Cyprien, chef de notre église catholique avec le saint Adelfius, prêtre de cette église de l'unité, Aquinius et Juliana son épouse ainsi que leurs enfants Villa et Deogratias ont posé cette mosaïque destinée à l'eau éternelle »
Cyprien et Adelfius ont été l'un le prêtre et l'autre l'évêque de la localité comme pensait Courtois. La mosaïque pavant le sol de l'édifice atteste, selon Tahar Ghalia,  « la présence d'une importante communauté chrétienne dès le IVé siècle, sous l'autorité de l'évêque Cyprianus (titulaire de l'évêché dont le nom nous échappe ou de la ville de Clipea) et du prêtre Adelfius ».

Ghalia Tahar, Travaux relatif à l'église dite « du prêtre Felix » à Oued et Ksab (Demna, région de Kélibia), BCTH, n.s., 25, 1996-8, p. 107-109.


Courtois Christian. Baptistère découvert au Cap Bon (Tunisie). In: Comptes rendus des séances de l'Académie des Inscriptions
et Belles-Lettres, 100e année, N. 2, 1956. pp. 138-143.



الهادي التيموميّ، كيف صار التّونسيّون تونسيّين؟ ط 2015 تونس ص 103.

13 déc. 2015

الطّالب عبد الرّحمان بن الحاجّ صالح (1859- 1920)

الطّالب عبد الرّحمان بن الحاجّ صالح
 (1859- 1920)



في مثل هذا اليوم: 13 ديسمبر من سنة 1920 توفّي الشّيخ عبد الرّحمان بن مُحمّد بن الحاجّ عليّ بن الحاجّ صالح بن عمّار بن امحمّد بن عبد الدّائم بن مُحمّد بن مُحمّد غُزّيّ الطّرابلسيّ.

وُلد الطّالب عبد الرّحمان سنة 1859 في حمّام الأغزاز وتُوُفِّيَ فيها يومَ الاثنين 13 ديسمبر 1920 عن عمر يُناهز 61 سنة. وهو ابن فاطمة ابنة القاضي أحمد بن عمّار الغزّيّ المتوفّى سنة 1828.
كان الشّيخ قد تلقّى العلم في بلدتِه فحفظ القرآن وتعلّم أصولَ الطّريقة القادريّة بكُتّاب زاوية سيدي عبد القادر الجيلانيّ (لم تعد موجودةً اليوم) على يد المؤدّب الطّالب حسين بن الحاجّ رحومة بن حسين. ثمّ انتقل إلى جامعة الزّيتونة. وبعد فراغه  من ذلك رجع إلى حمّام الأغزاز وتزوّج رقيّة بنت الحاج صالح بن حمودة يوم الاثنيْن 13 جوان 1892. وبعد زواجه بحواليْ عامَيْن، عُيّن إماما بالمسجد العتيق (لم يعد موجودا اليوم أيضا) بمقتضى "أمر" من الباي بتاريخ 18 أوت 1894 (17 صفر 1312) وهو تاريخ تحوّل المسجد العتيق إلى مسجد جامع في حمّام الأغزاز. كما خلَف الطّالب حسين في مشيخة الزّاوية القادريّة.

تولّى الشّيخ عليّ بن امحمّد بن الحاج رحومة الإمامةَ من بعدِه بمقتضى أمر من الباي بتاريخ 21 جوان 1921.

أنجب الطّالب عبد الرّحمان سبعَ بناتٍ (خديجة وفاطمة وعائشة وزينب وكلثوم وسكينة ونفيسة) وثلاثة أولاد (مُحمّد ومصطفى وعبد الرّزّاق).

مزار بن حسن

انظر أيضا:
http://dimnaghozzya.blogspot.com/2012/12/13-1920.html

19 nov. 2015

قبائل الأغزاز كما وصفهم الرّحالة ابن فضلان في القرن العاشر الميلاديّ


قبائل الأغزاز كما وصفهم الرّحالة ابن فضلان في القرن العاشر الميلاديّ

الرّحّالة العربيّ ابن فضلان زار قبائلَ الغُزّ الأتراك قبل دخولهم الإسلام، في مواضعهم بجوار بحر خوارزم، بين سنتيْ 921 و922م (309 و310ه)، فوصف بعضَ عاداتهم ومعتقداتهم، ويبدأ وصفَه بقوله:
"فلمّا سِرْنا خمسَ عشرةَ ليلةً، وصلنا إلى جبل عظيم كثير الحجارة وفيه عيون تنجرف عبره وبالحفرة تستقر الماء. فلمّا قطعناه أفضينا إلى قبيلة من الأتراك يُعرَفون بالغُزِّيَّة....."
لمن يريد أن يطّلع على الكتاب:

http://shamela.ws/browse.php/book-11772/page-53

11 nov. 2015

وفاة الأستاذ النّاقد رشيد الغُزّيّ



وفاة الأستاذ النّاقد رشيد الغُزّيّ

تُوُفّي اليوم 11 نوفمبر 2015 الأستاذ والكاتب والنّاقد التّونسيّ "رشيد الغُزّيّ"، وبوفاتِه تنطفِئ شمعةٌ أخرى من حياة الفكر والأدب في تونس.
وُلد رشيد بن مُحمّد بن الهادي بن مُحمد بن سليمان بن امحمّد بن حسين بن امحمّد بن عبد الدّايم بن مُحمّد غُزّيّ الطّرابلسيّ سنة 1937 في عائلة علم وتربية، حيث كان أبوه مُستخدَما في المستشفى الصّادقيّ بتونس (الرّابطة)، كما كان جدُّه مُدرِّسا بحمّام الأغزاز منذ حصوله على شهادة التّطويع بالجامع الأعظم إلى وفاته سنة 1917.
قضى حياتَه متنقِّلا بين حمام الأغزاز وتونس ثمّ كركوان التي اختارها كي تكونَ محطَّتَه الأخيرة.

لقد كانَ النّصُّ الذي كتبهُ في تقديم رواية "الياطر" لِـ "حنّا مينة" عملا نقديّا مُمتِعا حتّى كادَ يفوق في جودَتِه جماليَّةَ نصّ الرّواية. كما ترجم أطروحة محمد فريد غازي "النّزعة الإنسانيّة في مؤلّفات ابن المقفّع" من الفرنسية إلى العربية.

يعرِفُه جيّدًا طلبةُ العربيّة في الثّمانينيات والتّسعينيات، ويدركونَ قيمةَ دروسِه في البلاغة، ويتدافعون من أجل حضور حلقةِ درسِه لما يمتاز به من المعرفة والفصاحة والظٍّرف وحسن الحديث.
كما يعرفُه أيضا أهل قليبية وحمام الأغزاز وكركوان ودار علوش لحُبّه الشّديد لتلك النّاحية من أرض تونس ولدفاعِه عنها وعن أرضها وبحرها.

مزار بن حسن

5 nov. 2015

حسين بن حوريّة (حسين الأمين)



حسين بن حوريّة (حسين الأمين)

صورة نادرة تعود إلى سنة 1926 لأحد رموز حمّام الأغزاز في القرن العشرين. هو حسين بن عليّ بن محمود بن امحمّد بن مُحمّد بن امحمّد (شُهر بن حوريّة) بن عليّ بن عمر بن مُحمّد بن مُحمّد بن مُحمّد غُزّيّ الطّرابلسيّ. وأمّهُ هي حليمة بنت الحاج صالح بن حمودة.
وُلد في 14 جوان 1885 وتُوفّي في 12 فيفري 1965. اشتهر بلقب "الأمين" لأنّه كان أمينا للفلاحة، فقد شارك في مناظرة أمناء الفلاحة في 31 مارس 1926 ونجح فيها، وعُيِّنَ بمقتضى أمر مؤرّخ في 8 ماي 1926 أمينا للفلاحة بالصّقالبة (منزل تميم). تزوّج حسين الأمين عائشة بنت الحاج حسين بن قاسم بن حمودة في 22 مارس 1916 وأنجب منها ولدَيْن وبِنْتيْن.
مزار بن حسن

29 oct. 2015

المهرجان الوطني للموسيقيّين الهواة بمنزل تميم



ثقافة : كل التفاصيل عن  الدورة السادسة والعشرين  للمهرجان الوطني للموسيقيين الهواة بمنزل تميم
تحتضن مدينة منزل تميم من ولاية نابل بداية من يوم غد الخميس  29أكتوبر والى غاية يوم السبت 31 أكتوبرالدورة السادسة والعشرين للمهرجان  الوطني للموسيقيين الهواة الذي يعتبر محطة هامة  وبوابة العبور الى ميدان الاحتراف الفني  وقد شهد ميلاد العديد من الفنانين ويفتتح المهرجان يوم الخميس 29 أكتوبر  بمعرض صور ووثائق حول الفنان يوسف التميمي “شحرور الخضراء ” والفنان الراحل الزين الصافي الذي وافته المنية  يوم 7 جوان الفارط والذي يعتبر أحد ممثلي الأغنية الملتزنة في تونس وعرف بأعماله الراقية  , ثم سيكون الموعد  انطلاقا من الساعة الثامنة مساء  مع مسابقة العزف ومسابقة الأداء الحر ومع  الساعة التاسعة تنطلق مسابقة أداء أغاني يوسف التميمي ومسابقة الانتاج الفني   على أن يتم تخصيص فقرة اثرذلك لتكريم الفنان الراحل الزين الصافي  ستكون مشفوعة بعرض موسيقي للفنان أشرف بوعلاقي  .
ندوة فكرية  حول الانتاج الموسيقي وسنية مبارك ضيفة شرف السهرة الاختتامية
جريا على العادة ستنتظم على هامش المهرجان ندوة فكرية حول الانتاج الموسيقي التونسي المعاصر في ظل تعاظم ظاهرة العولمة ينشطها الأستاذ محمد سيف الله بن عبد الرزاق وذلك صبيحة يوم الجمعة 30أكتوبر على أن تتواصل فعاليات المهرجان في السهرة من خلال مسابقة العزف والأداء الحر بالاضافة الى مسابقة أداء أغاني يوسف التميمي والانتاج , ويختتم المهرجان يوم السبت باعلان النتائج وتوزيع الجوائز بالتوازي مع عرض موسيقي للمتوجين في الدورة , ومن جهة أخرى سيتم خلال السهرة الختامية تكريم الشاعر الصادق شرف “أبو وجدان ” الذي اضافة الى اسهاماته الأدبية كان المبادر بتأسيس مهرجان يوسف التميمي للموسيقى سنة 1984 قبل ان يتطور ويأخذ تسميته الحالية .
أعضاء لجنة الفرز : محمد لسود وأسماء بن محمد وجوهر التبر
أعضاء لجنة التحكيم :
سنية مبارك –علي الورتاني –سمير الجنحاني –لطفي بنعزونة
ضيوف الشرف : أسماء بن محمد – أشرف بوعلاقي – أنيس الخماسي وسنية مبارك
المشاركون :
مسابقة الأداء الحر : رامي عثمان (تونس) ومنال العريض (مدنين) وئام العريض (مديني ) تيسير زميط (قصيبة المديوني ) نورس زميط (قصيبة المديوني ) عمر درار (تونس) مجد العكروت (قليبية ) حافظ جفالي (جلمة ) أماني مخلوف (منزل تميم ) منية عبد العالي (قابس) عبير دربال (باردو ) حسام بن خليفة (المنستير ( اسماعيل بن مبارك (الرديف ) سارة دويك (تونس)
مسابقة العزف :
أميمة عون (منزل تميم ) أمير لمهيش (قابس) سامي الغربي (منزل تميم ) رضوان أولاد حمودة (مدنين ) بهاء الدين بن فضل (منزل تميم ) أنيس العقربي (تونس ) رامي السمين (المعمورة )
مسابقة الإنتاج :
إسلام الجامعي (صفاقس ) وليد سلطاني (تونس) نورس زميط (قصيبة المديوني ) أسامة سلامة (المنستير )
مسابقة أداء أغاني يوسف التميمي :
محمد أنور بن يحي (مقرين ) إيناس الميلادي (بوسالم ) أشرف بن عثمان (منزل تميم )

مراد ريدان
http://alwaqaa.tn/

27 oct. 2015

الشّيخ عبد الخلّاص بن الحاج رحومة

عبد الخلاّص بن الحاج رحومة


في يوم الخميس 28 أكتوبر 1954 صدر أمر تعيين الشّيخ عبد الخلّاص بن عبد اللّه بن الحاج رحومة بن امحمّد بن حسين بن امحمّد بن عبد الدّايم غُزّيّ الطّرابلسيّ إماما للخطبة بالجامع الكبير بحمّام الأغزاز، خلفا لابن عمّه الشّيخ مصطفى بن الحاج رحومة الذي أُودع السّجنَ بسبب مواقفه الوطنيّة ضدّ الاستعمار. وقد كان يشغل قبل ذلك خطّة إمام ثانٍ منذ 28 أوت 1952 خلفا لسليمان بن حمودة (سي سليّم).

لم يبقَ الشّيخ طويلا في هذه الخطّة، فسرعان ما نجح في مناظرة مدرّسي الآفاق، وعُيّن مُعلّما بقرية "الغريبة" من ولاية صفاقس، فخلفه في الإمامة الشّيخ مُحمّد بن حمودة (شُهر سي حمودة).
وُلد "سي عبد الخلّاص" في 20 نوفمبر 1927. وأمُّه هي حوريّة بنت امحمّد بن محمود بن امحمّد بن حوريّة.
مزار بن حسن

20 oct. 2015

عبد الرّحمان بن حمودة: الذّكرى السّابعة عشرة


عبد الرّحمان بن حمودة: الذّكرى السّابعة عشرة

(  20 أكتوبر 1998 )


الصّورة: سي عبد الرحمان (أقصى اليمين) أثناء تدشين الورشة بمدرسة حمّام الأغزاز يوم الخميس 5 ماي 1983.

مصدر الصورة: معتمديّة حمام الأغزاز
مزار بن حسن

6 oct. 2015

هل يحتاجُ الشّريط السّاحليّ إلى حِراسة؟ وهل يَجبُ أنْ تعودَ بُيوتُ "العسّة"؟



هل يحتاجُ الشّريط السّاحليّ إلى حِراسة؟ وهل يَجبُ أنْ تعودَ بُيوتُ "العسّة"؟

أمام تزايد الانتهاكات بأنواعها في حقّ الشّريط السّاحليّ يوميًّا، مِن تلويث وبناء فوضويّ وتحوّز غير قانونيّ واعتداء على الآثار والمناطق الغابيّة، وأمام ما تعانيه منطقتُنا خاصّةً من الفوضى وانعدام الأمن في كامل المجالات، كالهجرة السرّيّة والتّهريب وسرقة المواشي وغيرها... لماذا لا نعمل على تعزيز الحراسة اليوميّة للسّواحل والغابات والمزارع؟
الفكرة ليست مستحيلةً، خاصّةً إذا عرفنا أنّ حراسةَ السّواحل جزء من تاريخنا المحلّيّ، فلا بأس من إعادة النّظر إليه بعين الجِدّ.
قليبية وسواحلها كانت محروسةً بفضل وجود البرج أوّلا، وقد سهرت على أمن المدينة في العهد التّركيّ مؤسّسةٌ عسكريّة اسمها "نوبة البرج"، ويشرف عليها موظّف تركيّ يُسمّى "آغا القصر" أو "آغة نوبة البرج"، مثل الآغة "شعبان بولك باشي" الذي كان مباشرا لهذه الخطّة في قليبية في منتصف القرن الثّامن عشر.
وفي القرن التّاسع عشر أصبحت هذه الخطّة يتولّاها "شيخ الدُّور" الذي يعيّن بنفسه الحرّاس ليلا ونهارا، وينظّم أدوارهم وتناوبهم على "بيوت العَسّة" التي ما زالت آثارُها باقيةً إلى الآن على امتداد الشّريط السّاحليّ.
أمّا في فترة الاستعمار الفرنسيّ، فقد زاد الحرصُ على "العسّة"، واتّخذت الحراسة شكلا تنظيميّا أكثرَ تطوّرا، وصدرت قوانين في ذلك، حتّى أنّ "شيخ الدّور" كان يُعلن في منتصف كلّ ليلة نهاية السّهر بواسطة صفّارة أو عن طريق إطلاق النّار في الفضاء، وتُسمّى تلك الإشارة "الصّاشمة"، وهي تعني ما يُعرف اليوم بـ "حظر التّجوّل"، وهي مستمرّة على مدار السّنة في أوقات السّلم والحرب.
ومن شيوخ "العسّة" في قليبية نذكر مثلا "عليّ بن عليّة بن الشّيخ" ونائبه "محمود بن محمّد باكير"، وقد كانا مباشريْن لخُطّتيْهما سنة 1916 ومثلهما في حمّام الأغزاز: "أحمد بن الحاج رحومة".
وبعد الحرب العالميّة الأولى تولّى الخطّة في قليبية "عثمان بن أحمد النّجّار" المتوفَّى سنة 1948. وبعد هذا التّاريخ وقع الاستغناء عن هذه الوظيفة.
مزار بن حسن
مراجع النّصّ: كتاب عبد الرّحمان بن عبد اللّطيف
الأرشيف الوطنيّ التّونسيّ
الصّورة: برج قليبية في بداية الثمانينات (رؤوف قارة)

4 oct. 2015

حمام الأغزاز : المدينة تغرق في المياه الملوثة بسبب انسداد قنوات التطهير


طالب أحد متساكني منطقة حمام الغزاز التابعة لولاية نابل بضرورة تدخل السلطات المعنية، وذلك لحل إشكال تسرب الفضلات والمياه الملوثة بشوارع المنطقة نتيجة انسداد قنوات التطهير. كاب اف ام 3 أكتوبر2015

27 sept. 2015

عبد القادر بن أحمد بن سليمان

عبد القادر بن أحمد بن سليمان



مِن أكبر رجال حمّام الأغزاز سنًّا- إن لم يكنْ أكبرَهم على الإطلاق.

هو عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر بن سليمان بن امحمّد بن حسين بن امحمّد بن عبد الدّايم بن مُحمد بن مُحمد غُزّيّ الطّرابلسيّ.

أُمُّهُ عائشة بنت عمر بن امحمّد بن عمّار بن فرج.

وُلد سنة 1918 بحمّام الأغزاز، وقد نشأ فيها وتعلّم القراءة والكتابة، وحفظ تواريخها وحكاياتها وأشعارها منذ صغر سنّه.
 يُعتبَرُ مرجعا لا غِنًى عنه في الحكايات الشّعبيّة الشّفويّة والخرافات وقصص ألف ليلة وليلة وسِيَر الأنبياء والصّحابة وسير الملوك والأبطال وغير ذلك من السّرديّات التي كانت رائجةً في الأوساط الشّعبيّة التونسيّة في فترة الاستعمار، وقد سجّلت عنه كثيرا منها، لكنّه يمتلك أكثر ممّا سجّلت بكثير.

رغم تقدّمه في السّنّ، (97 عاما)، ورغم ضعف سمعِه، فإنّ حافظته ما زالت سليمة. وهو قادر إلى يومنا هذا على سرد الحكايات والقصص دون تعبٍ أو كللٍ. زِدْ على ذلك فهو حسن الحديث والمعاشرة، حادّ الذّكاء، حاضر النّكتة والدّعابة.

سي عبد القادر اليوم يُقضّي مُعظمَ وقته في منزله مع بناتِه وحفدَتِه، وقد تُوُفّي مُعظمُ أصدقائه الذين عاصرهم. لذلك أدعو كلّ من لديه اهتمام بالثّقافة بالبلدة أن يزورَه في منزله ويشاركه الحديث ويساهمَ، ولو قليلا، في فكّ عزلته والتّرفيه عنه. وهو أدنى ما يمكن أن نقدّمه من تقدير وعرفان لرجُلٍ في قدرِ علمِه وثقافتِه.
مزار بن حسن

5 sept. 2015

جهة ومنتوج: زراعة التبغ في مدينة حمام الغزاز إلى أين...؟


جهة ومنتوج: زراعة التبغ في مدينة حمام الغزاز إلى أين...؟

مئات الأطنان من نبات التبغ كانت تنتجها مدينة حمام الغزاز المعروفة بنشاطها الفلاحي وهذه الكميات تضاءلت في ظل عديد المشاكل التي برزت خلال السنوات الأخيرة..
السيد محمد بن عبد الرزاق الحاج صالح البالغ من العمر 72 سنة تحدث لـ «الشروق» عن هذه الزراعة قائلا «عرفت مدينة حمام الغزاز في وقت من الأوقات بأنها المصدر الأول لإنتاج نبتة التبغ «الدخان» وكانت هذه الزراعة قد أوجدها الأجداد وتوارثها الأحفاد لكنها سجلت في السنوات الأخيرة ولأسباب عديدة تراجعا كبيرا حتى أنها أصبحت حكرا على أربعة أشخاص في المدينة...».
وعن الأسباب أضاف السيد محمد «لم يعد في المدينة وجود للفلاحين، لقد شاخوا وهرموا وانصرف أبناؤهم إلى مهن أخرى، كما أنّ اليد العاملة غير متوفرة وتشجيع الدولة ممثلا في وزارة الفلاحة منعدم والفلاح يتعب ويشقى ويبيع منتوجه بأسعار بالكاد تغطي المصاريف.
ويضيف «الفلاح ينظرون إليه نظرة دونية ومن ثمة لم يعد هناك ما يشجع على العمل في هذا القطاع وشخصيا لولا غرامي بهذه المهنة لكنت انقطعت عنها منذ سنوات».
السيد محمد بن عبد الرزاق الحاج صالح قال إن نبتة التبغ لا يعرفها الكثيرون رغم إقبالهم بشغف على تدخينها وهي نبتة تزرع في البداية بذورا صغيرة ثم تتحول إلى أوراق يميل لونها إلى البني حينها يتم جمعها ولفها وتخزينها قبل تحويلها إلى الهياكل المعنية.
ورغم اشتغاله في القطاع الفلاحي منذ أكثر من خمسين سنة فان محدثنا لا يزال يذكر كيف كانت الدولة في عهد الحبيب بورقيبة وفي حكومة الهادي نويرة تشجع الفلاحين وتمنحهم البذور والأسمدة بأسعار منخفضة مما ساهم آنذاك في تطور الإنتاج في مختلف الجهات.
وختم حديثه بالقول إن مستقبل تونس في الفلاحة وما على الدولة إلا أن تقف إلى جانب الفلاحين أينما كانوا وأن تدعمهم بما يساعدهم على توفير الإنتاج الكفيل بأن يجعل تونس في مرتبة متقدمة وشريكا فعليا في الاقتصاد العالمي.
المهدي خليفة
جريدة الشّروق 13 أوت 2015
http://www.alchourouk.com/124917/688/1/%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%88%D9%85%D9%86%D8%AA%D9%88%D8%AC:%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D8%BA-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D8%B2-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%8A%D9%86...%D8%9F-.html

30 août 2015

فوز فريق الفتحة بحمّام الأغزاز للكرة الطّائرة الشّاطئيّة في دورة حمّام الشّطّ



فاز فريق الفتحة من حمام لغزاز المتكون من الثنائي بلال بن حسين وأنور بالرحومة بالجولة الخامسة للبطولة الوطنية للكرة الطائرة الشاطئية التي أقيمت اليوم الأحد 30 أوت 2015 في شاطئ حمام الشط بعد الإنتصار في الدور النهائي على فريق حمام لغزاز الذي يضم هشام الجنحاني ووائل القربي بنتيجة شوطين مقابل صفر.
وشهدت هذه الجولة غياب فريق "أيتيك" المتكون من عرفات الناصر وشعيب الحاج صالح الفريق الفائز في الثلاث جولات الماضية بسبب التحضيرات والسفر إلى بيسكارا الإيطالية للمشاركة مع المنتخب التونسي في ألعاب البحر الأبيض المتوسط.


موقع كاب أف أم

http://www.capradio.tn/ar/actualite/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD%D8%A9-%D8%A8%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D8%B2-%D9%8A%D9%81%D9%88%D8%B2-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3%D8%A9?id=54928

29 août 2015

صيّادو الغوص في قليبية وحمّام الأغزاز: ذكريات أليمة






صيّادو الغوص في قليبية وحمّام الأغزاز: ذكريات أليمة

في آخر شهر أوت تكون قد مرّت ثمان سنوات على وفاة الشّابّ عبد القادر بن سليمان من حمام الأغزاز أثناء قيامه بالصّيد في أعماق البحر.

عبد القادر بن سليمان لم يكن الغوّاص الوحيد الذي غيّبته أعماق الشّريط السّاحليّ بقليبية وحمّام الأغزاز، بل سبق أن غيّب البحر طيلة العشريتيْن الأولى والثّانية من القرن الحالي كثيرا من زملائه أبناء الجهة الغوّاصين الممارسين لهواية الصّيد بالسّهم أو (البندقية)، وكلّهم تقريبا من الشباب بل من خيرة شباب المنطقة.

 لقد فقدت حمّام الأغزاز في بداية العشريّة الأولى مثلا الغوّاص حسام بن حمودة الذي كان يمتهن مهنة الغوص إلى جانب ولعه الشّديد بالصّيد البحريّ. كما نذكر كذلك الشاب محمد بلحاج صالح (2001)، وعبد القادر بن سليمان (أوت 2007)، وعماد بن حسن الحجّام (جوان 2008)، وفي قليبية فقدنا أنيس بن حميدة (2009) ومهدي الغربي (سبتمبر2013). وهذا ما يجعلنا نتساءل عن الأسباب التي تقف وراء هذه الظّاهرة وعن الحلول الممكنة؟

جميع المتخصصين يؤكدون أنّ هناك سببا رئيسيا واحدا هو الذي يتكرّر في جلّ هذه الحالات، وهو "الإغماء" (syncope)، أي أن يُجهدَ الغواص نفسه في الماء بالغوص المتتابع دون أخذ قسط من الراحة قبل المتابعة في كلّ مرة. وعادةً ما تحدث هذه الظاهرة في الحالات التي يظفر فيها الصيّاد بصيد ثمين فتبدي السمكة مقاومة عنيفة للتخلّص من السّهم فيصعب بذلك إخراجُها من قاع البحر من الوهلة الأولى، لذلك يلتجئ إلى إعادة الكرّة مرّاتٍ أخرى فيبذل بذلك مجهودا مضاعفا يسبّب له الإغماء فتحدث الكارثة، وللأسف يدفع الغوّاص حياته ثمنا لهذا "الصّيد الثمين".

أما في ما يتعلق بالحلول فإنّ الحل بسيط ويمكن تطبيقه بسهولة، وهو يتمثل أساسا في ثلاث نقاط: أوّلا لا بدّ للصيّاد أن يتجنّب الإجهاد أثناء الصّيد وأن يملك نفسه ويتريّث عند رؤية السمك حتى لا يأخذه التّعب والإعياء دون أن يشعر. ثانيا: يجب على كلّ صائد بالغوص ألّا يذهب إلى الصّيد وحده، بل عليه أن يمارسَ هذه الهواية بمشاركة واحد من أصدقائه الصيّادين على الأقلّ، يصحبه في جولته حتى إذا وقع أحدهما في ورطة أو أي تعكّر صحّيّ، يتدخّل الآخر على الفور لإعانته على التخلّص منها قبل فوات الأوان. ثالثا: تجنّب الصّيد العشوائيّ والالتزام بالقوانين ذات العلاقة عبر الانخراط في نوادي الصّيد وتلقّي التّكوين اللّازم في ذلك. بهذه الطّرق وحدها يمكن لجميع هواة رياضة الصّيد في الأعماق ممارسة هوايتهم في مأمن من العواقب الوخيمة التي يمكن أن تهدّدهم في كل لحظة.

مزار بن حسن

25 août 2015

مُحمد صالح بن حمّودة


مُحمد صالح بن حمّودة

من أهمّ رجال الثّقافة ورموزها بحمام الأغزاز. إنّه مُحمّد بن صالح بن حمودة بن الحاج صالح بن قاسم بن مُحمّد بن حمودة.
من مواليد سنة 1942. زاول تعليمَه الابتدائيّ منذ سنة 1949 بالمدرسة القرآنيّة بمنزل تميم (دار المُربّي في ما بعد) وتلقّى فيها تعليما دينيّا عصريًّا على يد معلّمين من منزل تميم مثل عليّ بوعثمان وامحمّد بوعثمان وعليّ الكرد وخميّس جوعو وغيرهم... تحصّل على شهادة "السّيزيام" في سنة 1956، ثمّ زاول تعليمَه الثّانويّ بمدرسة "ابن رشد" بالصّبّاغين بتونس على يد أساتذة مثل محمّد صالح النّيفر ومحمّد الطّاهر النّيفر والصّادق بسيّس وغيرهم... كما تلقّى بعضا من تعليمه بالمدرسة التّكميليّة بالخلدونيّة.
اشتغل موظَّفًا بكتابة التّعليم الابتدائيّ بوزارة التّربية القوميّة منذ سنة 1962. ثمّ انتقل سنة 1974 إلى إدارة الآداب بوزارة الثّقافة، وهو ما مكّنه من التّعرّف إلى أهمّ رجال الأدب والثّقافة بتونس. كان يرتاد النّوادي الأدبيّة بدار الثّقافة "ابن خلدون" ودار الثّقافة "ابن رشيق" ونادي أبي القاسم الشّابّيّ وغيرها...
شارك في تأسيس وبناء اللّجنة الثّقافيّة بحمّام الأغزاز مع "المهديّ بن الحاج صالح" و"عبد الرّحمان بن حمّودة وعليّ بن الحاج رحومة (أحمد بلحاج) ومجموعة أخرى من المثقَّفين.
وعندما تأسّست النّواة الأولى للمكتبة العموميّة بحمّام الأغزاز، رجع إلى بلده سنة 1980 وشغل خطّةَ إدارتِها إلى تقاعده في التّسعينات.
سي محمّد شغوف أيضا بالموسيقى والغناء، وهو عازف جيّد لآلة العود، وله صوتٌ يُطربُ الأسماعَ. وقد تلقّى تعليما في ذلك من قبل "الطّاهر غرسة" في مدرسة "ابن رشد"، ثمّ دخل إلى فرقة الرّشيديّة وتعلّم فيها أصول آلة العود على يد "خميّس ترنان" لمدّة ثلاث سنوات. وقد كان يُحيي كلَّ سنةٍ ليلةَ المولد النّبويّ في الجامع الكبير بحمّام الأغزاز فيُنشِدُ "السّريدة المولديّة" وهي الهمزيّة المعروفة في تونس بـ "مولد البرزنجيّ" والتي مطلعُها:

أبتَدِئُ الإملاءَ باسمِ الذّاتِ العَليّه  **  مُستَدِرًّا فيْضَ البركاتِ على ما أنَالَه وأوْلاهْ

عُرف أيضا عن سي مُحمّد صدقُه ووطنيَّتُه. فقد قاد في التّسعينات حملةً من أجل التّوقيع على عريضة ترفض بناء الحيّ العسكريّ بسبخة حمّام الأغزاز، وقاسى مِن ظلم السّلطة آنذاك بسبب هذه الحملة، فألّبتْ عليه أتباعَها من رموز النّظام السّابق.
سي مُحمّد هو مثال المثقّف الوطنيّ الغيور على بلدهِ. وهو إلى جانب كلّ ذلك ذو مستوًى راقٍ من الثّقافة والخُلق وفي معاملاته مع النّاس.
نتمنّى له الصّحّة الجيّدة وطول العمر.

مزار بن حسن


30 juil. 2015

التّسيّب واللّامبالاة



من أعظم مظاهر التّسيّب واللّامبالاة التي وصلنا إليها في تونس: الصورة التُقطت اليوم  30 جويلية 2015 في شاطئ حمام الأغزاز على السّاعة التّاسعة والنّصف، وهي تُظهر جرارا تابعا لشركة خاصة مكلَّفة برفع الفضلات من الشّاطئ، وهو عالق بالرّمال المحاذية للبحر مباشرة. السّبب في علوقه هو اقترابه المفرط من الماء لعدم إمكانية المرور من مكان آخر. فالواقيات الشّمسية تحاذي الموج مباشرة وتفرض على الجرّار  أن يتحوّلَ إلى باخرة أو زورق لكي يقوم بمهمته. كل هذا قد حصل لأنّ أصحاب هذه الواقيات لا حدود لأراضيهم وبحارهم المحتلّة ولا قانون ينظم عملهم. ولا أستثني من ذلك شاطئ اللّواء الأزرق الذي تشرف عليه جمعية البيئة التي لم تعد تعنيها كثيرا البيئة للأسف.

 مزار بن حسن

18 juin 2015

عندما يتّسِعُ الحُبُّ: قصّة للكاتب: الهادي عمران الغُزّيّ

عندما يتّسِعُ الحُبُّ



قصّة: الهادي بن عمران بن الحاج عليّ

نشرتْ مجلّةُ الفكر في  30 أفريل 1985 قصّةً قصيرةً وطريفةً للكاتب والمربّي الفاضل "الهادي عمران بن الحاج عليّ" أحد أهمّ رجال الثّقافة بحمّام الأغزاز. وتكريما له نُعيدُ نشرَ هذه القصّة التي مرّتْ على تأليفِها ثلاثونَ سنةً. تحيّة وفاء إلى سي الهادي. ونقول له: رمضانك مبروك وكل عام وأنت بخير بيننا.

القصّة:
مكسورةٌ خواطِري كقلبِ أميرِكِ.. ومَجروحة كلماتي كقلبِ أميرِكِ.. ومُحاصَرة نظراتي كحصارِ أميركِ.. ومُمزَّقةٌ مُفرداتي كقلبِ أميرِك.. ومخنوقة عصافيري كصوت أميرِك..
وكيف يبتسم القلبُ وقد أتعبَه وأضناهُ الفراق؟ وكيف تُزهر الخواطرُ وتُثمِر وقد حرَموا أميرَها الماءَ والهواءَ والشّمسَ؟ وكيف تستقيم الكلماتُ والجُملُ وشاعِرُها مُحاصَرٌ مخنوق يُطارده البعد وتمزّقه الجراحاتُ؟ وهل تُزهر الرّياحينُ والنّبعُ الذي تُسقى منه مالِح؟ وهل تُغنّي العصافيرُ في أرضٍ جدباءَ قاحلةٍ تحت المطرِ والعواطف والرّياح؟ فماذا سأكتُب إليك يا قمري؟ ماذا سأقول لقمري وهالَتُه ألغت جميعَ اللُّغاتِ؟
-        قمري لا يُصدّق لغة العواطف ولا لغة العواصف ولا لغةَ البرقِ ولا نشيدَ المطر !
ماذا سأكتُبُ ولُغتي مُضحِكة وأحاسيسي هُراء وخواطري سخافاتٌ وبكائي تغريدٌ ونايي خنجرٌ وعبيري لا يُشمُّ؟ ماذا سأكتُبُ وكلماتي احترقت أمام ابتساماتِ أميرتي؟ ماذا تراني أقول وفي داخلي سمفونيّة باكيةٌ حزينة وشرايينُ قلبي أوتارٌ تعزِف أغنيةً فريدةً من لحن قرطِ أميرتي اللّوزيّ الأحمر الرّاقصِ على صحنِ خدِّها الرُّخاميِّ؟ ماذا تراني أقول إليها والمحزمة الحمراءُ تشدّ عيني تلفّني كما تلفّ خصرَها الملائكيَّ الأهيفَ؟
واحرَّ قلبي ! قصيدي أضحكها ليلةً ! عزائي أنّه لم يُبكِها على الأقلّ. واحرقتي ! أحاسيسي نحوها تراءت لها كاذبةً ومبالَغا فيها !عزائي الوحيد أنّ أميرتي الصّغيرة قرأت شعري ولم تُلقِ به في سلّة المهملات.. !
وا أسفي، إنّ عينيَّ أحيانا تفضحانني، ولساني يسبقني فيُترجِم لها أحاسيسَ قلبي رغم محاولاتي العديدةِ لكبتِها وإخفائها عنها وهي نقطة ضعفي. نعم هي نقطةُ ضعفٍ فيَّ... ماذا تراني أقول وعقلي محشُوٌّ بالمخاطر، ونفسي تزخر بالأحاسيس، والمخاضُ صعبٌ، ودواتي تَطفح بالحُزن؟ أيّ أرضٍ حبستْها عنّي؟ أيّ رياحٍ أبعدتْني عنها؟ أبعدتْك عنّي؟ يا زمانا شُدّت فيه يدانا، تشابكت فيه أصابعُنا، رقصت لنا الدّنيا في لحظات هي عندنا أحلى اللّحظات ! ذوّبتنا، ذُبنا في غربةٍ نشوانَيْن كعصفوريْن التقيا وحيدَيْن في جزيرةٍ نائية من جُزُر الأحلام بعد فراقٍ طويلٍ. وزغردت لنا الكائناتُ نشوى فنسينا ما يجري .
وافترقنا ولا أحدَ في شوارِع المدينة يبكي علينا، يبكي معنا، وهاجمنا الصّمتُ المُرعِبُ والمُخيفُ من كلِّ صوبٍ وكِدنا نختنق في ثوانٍ، وإنّي لأشعُرُ أنّ البُعدَ سيقطعنا إلى فلتيْن، وسيقتلنا مثل شهيديْن، وسيصلبنا مثل قدّيسَيْن، وسيشنقنا مثل نجمتيْن، وسيُحاصِرنا حصارَ "حاضِن النّهديْن" لنهدَيْن يتوقان إلى الحرّيّة !!!
أميرتي لم ترَ النّورَ إلّا لحظاتٍ كانت أجملَ اللّحظاتِ وأحلاها، حملتُكِ فيها على ظهري، حملتُك فيها أغنيةً عذبةً، أنشودةً رائعةً، أحلاما ورديّة، ونفثتُ فيك كلَّ روحي وحمّلتُك ما لا تطيقين، وحمّلتِني ما لا أطيق، وكنت صبورةً، كان صدرُك رحبا يتّسع للعالمِ بأسرِه، وكانت عيناكِ زادي الوحيد، وكنت تشعرين بإفراطِ حُبّي وكلَفي بكِ، وتعرّفتِ على نقاطِ ضُعفي فكُنتِ تميسينَ في دلالٍ، وما دريتِ أنّكِ كنت تقتلينني عرقا عرقا، وأعجبكِ دورُكِ فكنتِ تمعنين في تعذيبي، وغلبْتِني وانتصرتِ عليَّ، وحلا لكِ الانتصارُ، وكسبتِ الرّهانَ في الجولةِ الأولى، وكان لكِ ما كان، واعتبرتُ نفسي فائزا ما دُمتَ أنتَ طرفا في الرّهان، وبدأتِ تقفزين من حين إلى آخرَ إلى مخيّلتي، فكنتِ توقظينني من نومي، وتصعدين درجَ ذاكرتي في اختيالٍ ودلالٍ، وأسرح معكِ، مع قامتك الهيفاء، مع عينيْك الذّابلتيْن، وأغيب في ظلمةِ شعرِكِ، وبدأ الذّهول يشدّني، وأصبحتُ أميلُ إلى الوحدة، ولفّني القلقُ واحتواني الحزنُ، وأصبحتُ أتعمّدُ اللِّقاءَ بكِ، وأحاول أن أجدَ أعذارا ولو واهيةً للحديث إليك، وكثرت غياباتي عن المنزل، وتضاءل حديثي مع زوجتي ومع أطفالي وحتّى مع الأصدقاء، وبِتُّ لا يحلو لي حديث ولا جلوس إلا معكِ، فقد كنت أعيشُك شعرا ونثرا، رسائلَ وأوراقا...
وتفطّنت زوجتي لذلك فعابت عليَّ تصرفاتي، وحاولتُ إقناعَها بأنّ حبيبتي تبقى حبيبتي أحملها بين أضلُعي بسمةً ودمعةً، حلما وحقيقة، صحوا ومطرا، ولا أحد فوق الأرض يُنازعني حُبَّها، وحاولت زوجتي في عمليّة يائسة حرق أوراقي، رسائلي إليها فلم تفلح... وحاول الأصدقاء صرفها عن مخيّلتي فلم ينجحوا. وكانوا كلّما عيروها أمامي ثُرتُ في وجوههم وازددتُ تعلُّقا بها حتّى بتُّ مريضا بهواها، وكنت كلّما ضاق صدري أسرع إلى القلم وإلى القرطاس فأبثّها أشجاني وأشواقي، وكانت أميرتي تعي ما أشعر به نحوها، لعلّها كانت تُبادلني نفس الشّعور، وكنت أحيانا أشعر بالخوف بل كنت أشكّ في تصرّفاتها ربما كانت تجاملني وتتظاهر بحبّي رفقا بقلبي، فأعود وألعن ظنّي... وكثرت خلواتي بها في النّادي، كنت أغازلها في شوق، وكانت بنظراتها المنكسرة وبنبرات صوتها العذب وبحركاتها البريئة لوحةً زيتيّةً متكاملةً يصعب على أيّ فنّان رسمُها ومحاكاتُها وأصبحتُ أسهر اللّيالي الطّوالَ خارج المنزل بعيدا عن عائلتي، وقد لاأعود إلى بيتي إلاّ في ساعة متأخّرة من اللّيل. واشتدّ القلقُ بزوجتي وكثرت الظّنون بها، ولامتني مرارا:
-        لم تعدْ تهتمّ بأطفالك يا رجلُ، لا تنسَ أنّ لك بيتا وزوجةً وبنين وأنّ لهم الحقَّ عليك، أفقْ إلى نفسِك وعُد إلى رُشدِك.
وكنتُ أُجيبُها بكلِّ لطفٍ:
-        أُحبُّكم كما أحبّ أميرتي...
وأذكُر أنّها حاولت مرّةً تكسيرَ الجدارِ، جدار صمتي وذهولي الدّائميْن، ولمّا أدركت أنّ الحالةَ بدأت تسوء، وأنّ المدينةَ كلَّها أصبحت تلومني على شدّة تعلُّقي بها، تأبّطتُ ذراعَ أميرَتي وشددتُ على كتفها النّاعمِ بأصابعي وخرجت بها إلى الشّارع وكأنّني أقول للجميع:
-        انظُروا هاهي أميرتي التي كنتم تلومونني فيها...
كانَ رأسُها على صدري، وكنّا نسيرُ مُختاليْن في شوارع المدينة. كانت كغجريّةٍ فارسيّة، وكان شعرُها على كتِفي كحقل قمحٍ تحت المطر، وكانت أصابعها تضغط على أصابعي في جذلٍ، وخصلاتُ شعرِها ترقصُ مع هبّاتِ الرّيح كطرحةِ العروس فأُحسّ أنّ العالمَ صار في قبضتي.
كنت أستمع إلى دقّات قلبِها كما كانت تستمع إلى دقّاتِ قلبي. وتصدّرنا أمام المقاهي على مرأى ومسمع من المدينة كلِّها، وجها لوجه مع العذّال. وعطّرنا ساحاتِ المدينة وشوارعَها وأزقّتَها بنفحاتنا. وتهاطل الصّحافيّون علينا والتقطوا صورا عديدة كانت أشرطةً تلفزيّةً بديعةً، ووجدت الجرائدُ والمجلّاتُ ما تُغطّي بها صحائفَها. وكانت النّدواتُ واللّقاءاتُ. وأصبحت أميرتي نجمةً بل قمرا ينير لياليَ المدينة بعد أن تُوّجت. لم يكن تاجُها ذهبا ولا ماسا، فهي ليست في حاجة إلى تتويج من هذا النّوع، بل كان إكليلها تصفيقَ الجمهور لها وشهاداتِهم فيها أنّها فعلا أميرة المدينة في كلّ شيء...
وبعدها اعتذرت زوجتي عن تصرّفاتها معي بعد أن رأت ما رأت من أميرتي وأصبحت تجمع لي بقايا صورِها وتلمّ لي شتاتَ رسائِلها لتحتفظ بها للذّكرى. وأدرك الحسّادُ الحقيقةَ، حقيقةَ أميرتي، وتعرفوا على جمالِها وعلى ما تتحلّى به من صفات عالية، فاعتذروا لي واعتذروا لها. وأخذ سكان المدينة يتسابقون للفوز بها، يتسابقون إلى ناديها علّهم يحضوْن بابتسامة منها. وأصبح النّادي يعجّ بالنّاس شبابا وأطفالا وكهولا، كلُّهم يتمنّوْن ودَّها والتّقرُّبَ إليها حتّى يملؤوا عيونهم بحسنِها ويستمتِعوا بحديثها ويتسلّموا منها المشعلَ، وكانت اللّوحاتُ الفنّيّةُ، وكان الشّعرُ وكانت القصّة وكانت البحوثُ وكان الغناءُ والطّرب وكان المسرحُ وكانت المهرجاناتُ. وصفّقت المدينة لحبيبتي طويلا، وكنت أرقص لتصفيقهم، وكانت زوجتي تكاد تلتهمها بعينيها إعجابا بها، وارتمت بين أحضاني باكيةً بكاءَ الفرح هذه المرّةَ لا بكاء الحزن والخوف. وكنت أكاد أفيض غِبطةً...
فهل عرفتم أحبّتي قمَري، ملاكي الصّغير، أميرتي الحسناء؟ إنّها كليوبترا صلابةً واختِيالا، وبلقيسُ جمالا وثراءً، ونفرتيتي أنفةً وكبرياءً، وعائشةُ عفافا وطُهرا، وعلّيسةُ ذكاءً وفطنةً...
فكيف أواجه فراقَها وحدي؟ وكيف أتخلّى عنها لمن لا يصون الحُبَّ ولا يرعى الودَّ والإخلاصَ؟ وكيف أجمع بقاياها وحدي؟ وألثُم قصائدَها وحدي؟ وكيف أقاوم سيفَ الزّمانِ وحدي؟ وكيف أهدم عُشَّ الحُبِّ بيدي؟ وكيف أنسلخُ عن ذكرياتي؟ وهل تستقيمُ الحياةُ لصفصافةٍ اجتُثّت جذورُها؟ كُنت أتساءل، وكنت أبكي لقسوة الأسئلة على قلبي، وكنت أحيانا تجدني مع قول الشّاعر: "يس الفيل" حينما رأى حبيبتَه شرعت تهدم عُشّ الذّكريات:
لا تهدِميه فعُمري ساكِنٌ فيه
وفرحةُ القلبِ تحيا في نواحيه
لا تهدميه فأيّامُ الهوى عبَرتْ
بنا إليه وغنّت في لياليهِ
هذي الحجارةُ كم حنَّت لموعِدِنا
وكم أحاطتْ بمهدِ الحُبِّ تحميهِ
وكم تراءتْ على مِرآتِها صُورٌ
للحُسنِ يخضرُّ في أبهى مَعانِيه
كُنّا وكانت زُهورُ الحُبِّ في يَدِنا
تنمو ونحن بها نختالُ في تيهِ
هنا جلسنا، هنا كانت أريكَتُنا
تذوبُ شوقا لما كنّا نُغنّيه
هنا هنا وهنا يا ألفَ أُغنيةٍ
قولوا لخادمِ هذا البيتِ يُبقيه

وأنتم يا أحبّتي هل تعرفون دموع المساجد لياليَ الأعياد؟ وهل تعرفون دموع الثّريّات؟ دموع الرّياحين؟ دموع العذارى؟ دموع اليتامى؟ لو كنتم تعرفون كلَّ ذلك لَصرختُم مثلي، مثل المجانين: "كلُّ الوجوه بعد وجه أميرتي الصّغيرة نحاسٌ وحجرٌ...".
أحاول أن لا أصدّقَ أنّ الصّدأ بدأ يدبّ إلى سيفي، وأنّ أميرتي السّاحرة ستُبعِدُني عنها، وأنّ سيفَ الزّمان لا يُقهَرُ، وأنّ الجبينَ المسافرَ في بحار عيني سيُبحر... أحاول أن أخدعَ نفسي، أن أوهمَها بأنّني باقٍ على الرّكح ثابتا، أن أكذبَ عليها، أن أجدَ أعذارا ولو واهيةً لأهرَبَ من نفسي، من الحقيقة المرّة فلا أستطيع، لأنّ الحقيقةَ تظلّ حقيقةً تنهشني، تأكل قلبي، تُلهب أعصابي كما تُلهِبُ السّياطُ ظهرَ المقهور، فأصرخ في جنون: لا لن أهربَ عن وجه أميرتي مهما حاول الحُسّادُ أن يُبعدوني عنها، أن يُوهموني أنّها غانيةٌ، والغواني يغُرُّهنّ الثّناءُ، وأنّهنّ لا يَرعيْن عهدا ولا يتقيّدنَ بميثاق. نعم كنت أصرخ وأقول: أميرتي ليست كبقيّة النّساء، إنّها من معدنٍ نادر الوجود، ولن أتخلّى عنها، وسأوصي أبنائي بعد موتي أن ينقشوا اسمها على قبري بأحرفٍ من نور...
فهل أدركتم أحبّتي أميرتي الحسناء التي عُلِّقتُها شابّا وعايشتُها زمنا، وحاولتُ طلاقها كهلا فلم أُفلِحْ؟ لقد وُلدت في كبدي وتغذّت من قلبي ونمت في أضلعي وأينعت في مدينتي...
سامح اللّه حبيبتي "اللّجنة الثّقافيّة" ما أكثرَ نفعَها وما ألذَّ وِصالَها. ولكنّ طلباتِها عديدة وباهضة الثّمن بالنّسبة لي وحدي...

الهادي عمران
                                                                                         (حمّام الأغزاز)
مجلّة الفكر: عدد:7. السّنة: 30. أفريل 1985 ص 99.
تحقيق: مزار بن حسن