19 janv. 2008

شيراز بن حمودة: العرس التقليدي بقليبية وحمام الأغزاز: الجزء الأول

العرس التقليدي بقليبية وحمام الأغزاز (الجزء الأول) شيراز بن حمودة المقـــــدمة يزخر التّراث الشعبي بمختلف أنماطه وفنونه بعديد الأشكال التّعبيريّة التي تربط الأجيال المتعاقبة ببعضها بطريقة تحفظ هويّة الشعوب وأصالتها. والبلاد التونسيّة التي تعود الحضارة الإنسانيّة فيها إلى ثلاثة آلاف سنة، لا تشذّ عن هذه القاعدة، فكلّ جهة من جهاتها تحتوي على رصيد هام من الموروث الشعبي الذي يحيل على مختلف الحقب الحضارية ويَحشد كلّ حقبة من تلك الحِقب في جملة من السلوكيات والممارسات المحفوظة أبا عن جدّ والتي يلجأ إليها في مناسبات متنوّعة كالأفراح والمآتم والطقوس التعبّدية. وعلى الرغم من تطوّر البحث في هذا المجال في السنوات الأخيرة إلاّ أنّ جزءا هامّا من التراث الشعبي التونسي لا يزال مُبْهَمًا لدى عديد المختصين، وسبب ذلك في اعتقادنا قلة الاجتهاد ولامبالاة المعنيّين بذلك التراث بدرجة أولى في توثيق رصيدهم. ومثل هذا الموقف يهدّد بقاء الموروث الشعبي المحلي ويؤدّي شيئا فشيئا إلى اندثاره والاستعاضة عنه برصيد آخر مبتدع أو مقتبس من جهات أجنبيّة لا يحمل نفس السّمات الثقافيّة الأصيلة. في هذا الإطار، استرعت انتباهنا ظاهرة غريبة بجهة قليبية من الوطن القبلي للبلاد التونسية، ومُجمل هذه الظاهرة التّناقض المهول بين الرّصيد الغنائي والموسيقي المكرّس حاليّا في شتّى المناسبات بالجهة وبين ماضي الجهة الثريّ بتعاقب الحضارات عليه، وقد استدعتنا هذه المسألة إلى طرح عدّة استفهامات أفضت بنا إلى اقتراح هذه الدّراسة بعنوان " العرس التقليدي بقليبية وحمام الأغزاز: دراسة تحليليّة لبعض النماذج" والتي نرمي من ورائها إلى محاولة توثيق تراث الجهة الشعبي الذي هو في طريقه إلى الزّوال، كما نبتغي تقصّي الخصائص الموسيقيّة الدّقيقة لذلك التراث بعين الباحث المختصّ الذي يستطيع أن يستخرج القواعد الضابطة لتلك الموسيقى الشعبيّة والذي يستطيع كذلك أن يربط بين تلك الخصائص الفنّية وبين بيئتها الفكرية والاجتماعية ومختلف الظّروف والتغيرات التاريخية التي أثرت فيها وأنتجتها. والحقيقة أنّ هذا العمل لم يكن ليرى النّور لولا التفهّم الذي وجدناه من بعض مسنّي المنطقة الذّين حفظوا الرّصيد الشعبي في ذاكرتهم وأمدّونا به كلّما اقتضت حاجتنا إليه، كما أنّ من أشدّ العقبات التي اعترضت سبيلنا انعدام المراجع الموثقة لتراث جهة قليبية الشعبي، لذا اضطررنا إلى اعتماد العمل الميداني منهجا أساسيّا لبحثنا. وعلاوة على ذلك فإنّ جملة من التشويهات أصابت الغناء الشعبي الممارس في العرس التقليدي بجهة قليبية، وإن كانت الأجيال الجديدة من أبناء الجهة تجهل حقيقة ذلك التشويه، فإنّ مما زاد في صعوبة تحقيقنا للنّصوص الأصليّة موت عدد كبير من العارفين بحقيقة تلك النصوص، علما بأنّ اعتمادنا على بعض المراجع ذات الصّبغة التاريخيّة البحتة أعاننا كثيرا في التثبّـت من بعض المعطيات المتعلّقة بتلك النصوص. وقد سعينا في محاولتنا لتجميع كامل المعطيات والنتائج الحاصلة لدينا في دراسة صنّفناها إلى محورين رئيسيّين، تناولنا في الأوّل منه مراحل العرس التقليدي، ففصلنا الحديث في مختلف أطواره ومراسمه وما يصحبه من سلوكيات مختصة بالجهة تتعهّدها فرقة نسائية يطلق عليها "المَاشْطَاتْ". ولئن تختصّ هذه الأخيرة بجهة قليبية بتقديم الجانب الأبرز في العرس التقليدي، فقد تبيّنا أن للرجال بدورهم نصيبا في إحياء تلك المناسبات من خلال فرق صوفية كالسّلامية والقادريّة ومن خلال "الغَنَّايَة"، كما أشرنا إلى الآلات الموسيقيّة المستعملة في أدائها. في حين افردنا المحورالثاني لتحليل الأغاني المؤدّاة في العرس التقليدي فأثبتنا كلماتها، وشرحنا أساليبها نغما وإيقاعا. وإنّنا إذ نقدّم هذه المحاولة التي لا نزعم استيفاءها لكامل الجوانب، إذ تبقى مجرّد تجربة أولى في طرق باب البحث العلمي الدقيق، نرجو أن تساهم هذه التجربة بالقسط الممكن لها في إنقاذ ما يمكن انقاذه من التراث الشعبي لجهة قليبية وحمام الأغزاز الذي بدا لنا شديد الثراء والتميّز، وعسانا نحفز بعض الباحثين الشبان لاستكمال بعض الجوانب التي لم نستطع لسبب أو لآخر استعراضها في هذا البحث. يتبع

Aucun commentaire: